تضره معصية المنحرف، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة جزاه الله عن دينه خير الجزاء.
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾:
هذه الجملة مؤكدة لمضمون الجملة السابقة، أَي ولا تحمل نفس مثقلة بوزرها وحاملة لذنبها - لا تحمل ذنب نفس أخرى، فكل امرئ بما كسب رهين، فلو أَمر شخص آخرٌ بمعصية، ووعده بأن يحمل عنه عقوبته، فوعده كاذب وكلاهما مسئول، فالآمر بالمعصية مسئول عن أَمره بها ومعاقَب عليها، ومنفِّذ المعصية مسئول عن تنفيذها ومعاقب عليها، روى عن ابن عباس أَنها نزلت في الوليد بن االمغيرة لما قال: اكفروا بمحمد ﷺ وعليَّ حمل أَوزاركم: اهـ وفي ذلك بقول الله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (١). فإن قيل إنه ﷺ قال:"إِن الميت يُعذبُ بِبكَاء أَهْلِهِ عليه" فإن فيه أَخذ الإنسان بجزم غيره وقد أجيب عنه بأن الحديث محمول على ما إذا أَوصى بذلك قبل أَن يموت، أَو أنه يتألم لمعصية أَهله ببكائهم عليه وشقّهم الجيوب من أَجله، وعدم رضاهم بقضاء ربه، فهو لهذا يعذب نفسيا، وأَما قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ فكل من المضل والضال حمل ذنب نفسه لا ذنب غيره، فالمضل حمل ذنب إضلاله لغيره، وغيره تحمل وزر ضلاله بسببه، فالجهة منفكة، وكل ما جاء على هذا النمط يُؤَول هذا التأويل.
بعد أَن بين الله تعالى أَن عاقبة الهدى والضلال لا تعود إلا على صاحبيهما، جاءت هذه الجملة لتبين عظيم رحمة الله وعدالته وفضله.
والمعنى: وما صح ولا استقام في حكمتنا وسنتنا أن نعذب أحدًا بنوع بما من العذاب دنيويا كان أَو أخرويًا - على فعل شيءٍ أَو ترك آخر، حتى نبعث رسولا يهدى إلى