للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحق، وينهى عن الباطل، ويقيم الحجج ويبين الشرائع، حتى تتم أسباب التكليف وتقوم به حجة الله على خلقه.

واستدل الأشاعرة وفقهاءُ الشافعية بالآية على أن أهل الفترة ناجون وقد أَطلقوا القول فى ذلك.

وبما أنه قد صح تعذيب جماعة من أهل الفترة، فقد أُجيب عنهم بأن أحاديثهم آحاد لا تعارض القطع بعدم التعذيب قبل البعثة -كما دلت عليه- الآية -وبأنه يجوز أَن يكون تعذيب من صح تعذيبه منهم لأمر مختص به يقتضي ذلك، علمه الله تعالى ورسوله ، نظير ما قيل في الحكم بكفر الغلام الذي قتله الخضر مع صباه.

وقيل إن تعذيب هؤُلاء المذكورين في الأحاديث مقصور على من غيَّرَ وبدَّل من أهل الفترة بما لا يعذر به، كعبادة الأوثان وتغيير الشرائع، كما فعل عمرو بن لحي الذي استحدث عبادة الأوثان ولا يخفى أن هذه الإجابات عن هؤُلاء لا تتفق مع إطلاقهم القول بأنه لا وجوب إلا بالشرع ولا تكليف قبل البعثة، قال الآلوسي (١): ولو ثبت أن من جاءت الأحاديث بتعذيبهم فى الفترة بين الرسل كانوا من أَتباع رسول سابق بقى شرعه حينذاك كعيسى لم يبق إِشكال- انتهى بتصرف يسير.

ويقول المعتزلة: إن الإيمان بالله واجب بالعقل قبل البعثة وبعدها، ويحتجون بأن معرفة الله لا يمكن الوصول إليها إلا بالعقل حتى بعد البعثة، ولهذا يقول الله تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. ويقول: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. فالله تعالى يأمرنا بأن نعرفه بالنظر في آياته الكونية، ولا يمكن إثبات رسالة الرسول إلا بعد معرفة الله الذى أَرسله، فوجب أن تكون معرفة الله أولا بالعقل، وثبت أَن من كفر به قبل البعثة يستحق العذاب، ويقولون أيضًا إن الأحكام تعرف بالعقل لأنه يدرك حسن الأفعال وقبحها قبل ورود الشرع (٢). وقد أثبت الإمام الرازي


(١) الآلوسي جـ ١٥، ص ٣٨ منير.
(٢) فإذا لم يرد في الشرع كنا مكلفين ومحاسبين على الأخطاء، والله تعالى أرسل الرسل لتأييد العقل ومساعدته في أحكامه كذا قالوا.