للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوجوب العقلي، وفسر قوله تعالى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ بوجهين (أحدهما): حمل الرسول على العقل (والثاني): تخصيص العموم بأن يقال: المراد وما كنا معذبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفتها بغير الشرع إلا بعد مجيء الشرع، ثم قال والذي نرتضيه ونذهب إليه أن مجرد العقل سبب في أَن يجب علينا فعل ما ينتفع به، وترك ما يتضرر به، ويمتنع أن يحكم العقل على الله تعالى بوجوب فعل أو ترك فعل، اهـ (١).

وحمل الآية أبو منصور الماتُريدى وتابعوه على نفي تعذيب أهل الفترة بالاستئصال في الدنيا، وذهبوا إلى تعذيبهم في الآخرة بترك الإيمان والتوحيد، وأهل الفترة كل من كان بين رسولين، ولم يكن الأول مرسلا إليهم، ولم يدركوا الثاني، واعتمد القول بتعذيب أهل الفترة الإِمام النووى في شرح مسلم، فقال: إن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار، وليس في هذا مؤَاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل .

قال الآلوسى تعليقًا على رأي النووى: والظاهر أن النووي يكتفى في وجوب الإيمان على كل أحد، ببلوغه دعوة من قبله من الرسل وإِن لم يكن مرسلا إليه.

وقال الحليمي (٢) في منهاجه: إن العاقل المميز إذا سمع أية دعوة كانت إلى الله تعالى، فترك الاستدلال بعقله على صحتها وهو من أَهل الاستدلال والنظر كان بذلك معرضا عن الدعوة فيكون كافرًا - ويبعد أن يوجد شخص لم يبلغه خبر أحد من الرسل على كثرتهم وتطاول أزمان دعوتهم، ووفور عدد الذين آمنوا بهم واتبعوهم، والذين كفروا بهم وخالفوهم فإن الخبر يبلغ على لسان المخالف كما يبلغ على لسان الموافق، ولو أمكن أنه لم يسمع قط بدين ولا دعوة نبي، ولا عرف أن في العالم من يثبت إلهًا - ولآ نرى أن ذلك يكون فأمره على الاختلاف في أن الإيمان هل يجب بمجرد العقل، أو لا بد من انضمام النقل؟ اهـ.


(١) المصدر السابق ص ٣٧
(٢) المصدر السابق آخر ٣٧ وأول ص ٣٨