وكما نهاكم الله تعالى عن أن يقتل أحدكم غيره إلا بحق فقد نهاكم أيضا عما يشبه القتل وهو أَكل مال اليتيم بغير حق، فلا تقربوا ماله بسوء فتجمعوا عليه بين فقد الوالد وحنان المربي، وبين ضياع المال الذى يقوم عليه أمره ويصلح به شأنه، إن هذا الاعتداءَ لؤْم وخسة وَقسوة على إِنسان ليس لديه قدرة على الدفاع عن نفسه، إن الرحمة والمروءة تقتضيكم أن تقربوا ماله بما يحفظ أصله، وينمي فرعه، بهذا تكونون قد قمتم على أَمر هذا المال بأحسن الطرق، وأَفضل الوسائل التي تعود على صاحبها بالنفع والخير، وداوموا على إِصلاح ذلك المال حتى يبلغ اليتيم أَشده، بوصوله إلى سن الرشد، ونمو عوده وقوة جسمه، وزيادة خبرته ومعرفته، ونمو تجربته وقدرته على التصرف الحسن والسلوك القويم، فإذا بلغ راشدا فعليكم أَن تدفعوا إليه ماله غير منقوص، ولا تمسوا ماله بسوء بعد ذلك.
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾: وكونوا أَوفياءَ بكل ما عاهدتم الله على القيام به، من تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وفي جملة ذلك رعاية اليتامى وما عاهدتم الناس عليه مما يصح فيه العهد شرعا، فلا تخيبوا رجاءهم، ولا تقطعوا آمالهم التي عقدوها عليكم في إصلاح أمرهم، إن العهد سيسألكم عنه ربكم يوم القيامة، فأوفوا به ولا تضيعوه.
وأَظهر العهد إِذ قال: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ﴾ ولم يقل إنه - لكمال العناية بشأنه والحث على الوفاء به، وإنما عبر بقوله: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ مع أن السؤال لصاحب العهد على سبيل المجاز، والمراد أنه مسئول عنه يوم القيامة. فيقال لصاحبه: لِمَ نَكَثْتَ عهدك وضيعته ولم توف به؟ فيجمع الله عليه التبكيت مع العقوبة على عدم الوفاء به.
٣٥ - ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾:
واجعلوا الكيل وافيا عادلا، لا نقص فيه إِذا كلتم لغيركم، واكتفى بالأمر بإيفاء الكيل عند البيع عن الأمر بتعديله عند الشراء من الناس، لأنه يُؤذِنُ بحرص الشارع على وصول الحق إِلى صاحبه، فكما لا يبخسه حقه عندما يبيع له، كذلك لا يظلمه عندما يشترى منه، وقد جاء النص صريحا عن التطفيف في الجانبين فى قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾.