والمعنى: أفضلكم ربكم على جنابه - سبحانه - فخصكم بأفضل الأولاد، واختار لذاته أدناهم وأقلهم شأنا، فإن دعواكم أَن الله قد اختار الملائكة بنات له - سبحانه - تَستَلْزمُ أَنه اختار لكم البنين أفضل النوعين وأحبهما إِليكم، ورضى لنفسه البنات وهن أدناهما في نظركم مع أنه هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له، والجلال الذي لا حد له فكيف تنسبون إِليه ما تسوءُ البشارة به وجوهكم، ويملأ الغيظ بسببه قلوبكم، أتجعلون لله ما تكرهون دون حياء، فتأتي قسمتكم جائرة ظالمة، تدل على جهلكم بالله وسوء تقدير لعظمته، إنكم بافترائكم على الله تعالى .. وقولكم إِن الملائكة بنات الله تقولون قولًا منكرا .. كبيرًا في الإثم تحاسبون عليه وتعذبون به أشد العذاب يوم القيامة، فإنه تعالى واحد أحد ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
أي ولقد كررنا وأَكدنا العبر والعظات والأحكام في هذا القرآن المجيد بأساليب متنوعة، ليتعظوا ويعتبروا فيهتدوا إِلى الحق، ويرججوا إلى بارئهم رجاءً في ثوابه وخوفا من عقابه، ولكن هؤلاء المجرمين الضالين المكذبين لا يريدون هداية ولا إرشادا، بل إنهم مع تكرار التذكير وتأكيد التوجيه إلى الخير، لا يزدادون إلا تباعدًا عن الحق وإصرارًا على الباطل، وإِعراضا عن التدبر والاعتبار.
قل يأيها الرسول لهؤلاء المشركين المغترين العابدين للأصنام، وغيرها من دون الله - قل لهم: لو صح ما تزعمونه وتفترونه - وهو وجود آلهة مع الله ﷾ لطلب هؤلاء الآلهة بكل جهدهم واجتهادهم أن يسلكوا طريقا إلى الله ذي السلطان والقهر ليشاركوه الأمر، أو ينازعوه السلطة ولكن شيئًا من ذلك لم يكن؛ لأن ما تزعمونه من آلهة هي في الحق عاجزة لا تقدر على خير ولا شر ولا تملك من أَمر نفسها شيئًا، فضلا عن أن تملك أمر غيرها.