للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤٣ - ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾:

تنزه سبحانه، وتعالى علوًّا شاملا عما يقوله هؤلاء من نسبة الشريك والولد لله تعالى .. فالله هو الواحد الأَحد لا شريك له ولا ولد.

٤٤ - ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾:

بعد أَن بين الله لهؤُلاء المشركين فساد زعمهم بنسبة الشريك والولد لله، ونزه نفسه تنزيها كاملا عن ذلك، جاء بهذه الآية ليبين لهم: أَن الخلائق جميعها علويَّها وسفليها، عظيمها وحقيرها، ما يدركه الإنسان وما هو فوق إدراكه، كل ذلك خاضع له معترف بقهره وسلطانه ونعمه وآلائه.

والمعنى: أَن السموات السبع بأجرامها وكواكبها وأفلاكها وسكانها وجميع قواها وعناصرها .... وكذلك الأرض بما اشتملت عليه من إِنسان وحيوان ونبات وجماد وغيرها، كل أولئك يسبح وينزه حامدا الله تعالى بلسان الحال والدلالة كما تدل الصنعة على الصانع.

ولا نرى مانعا من أن يكون لهذه الكائنات تسبيح قولى غير مسموع منا وغير معروف الحقيقة والكيفية لنا، كما يشير إليه قوله تعالي: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ (١). أى رجعى التسبيح مع داود، وقوله سبحانه: " ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ (٢). أى سخرناها لتسبح مع داود فى وقتى العشى والإشراق، ولو لم يكن تسبيحا قوليا لَمَا قيد بهذين الوقتين كما يؤَكد ذلك ظاهر قوله تعالى هنا: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (٣). لأَن لغة الجمادات والحيوانات لايفقهها من البشر سوى من أوتى خاصية فهمها كداود وسليمان ، وفيهما يقول الله تعالى؛ حكاية عنهما: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾. ولكنكم أيها الناس لاتفقهون تسبييحهم ولا تدركونه. ويجوز أَن يكون الخطاب للمشركين الذين تقدم الحديث عنهم، تقريعًا لهم، والمعنى على هذا: وما من شئٍ إِلا ينزه الله تعالى عن الشريك والولد، ولكنكم أيها المشركون لا تعقلون


(١) سورة سبأ: من الآية ١٠.
(٢) سورة ص الآية ١٨.
(٣) سورة الإسراء الآية ٤٤.