القضاء، حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه ﷺ، قال ابن عباس ﵄:"مقامًا يحمد فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع الخلائق، تَسْأَل فتعطى، وتشفع فتشفع، ليس أَحد إِلا تحت لوائك". وقيل المقام المحمود هو إِعطاؤُه ﵇ مرتبة من العلم لم تعط لغيره من الخلق أَصلا، وعلى الجمله فالمقام المحمود ينتظم كل مقام بتضمن كرامة له ﷺ ويشير إِلى ذلك التنكير في قوله: ﴿مَقَامًا﴾ حيث يفيد التعميم والتفخيم.
لما وعد الله رسوله المقام المحمود، أَمره أَن يتجه إليه بدعائه لينجز له وعده أَي قل مناديًا ربك: أَدخلنى فيما أَمرت به من الطاعات إِدخالا مرضيا، وأَخرجني عما نهيت عنه إخراجا نظيفا من المعاصي، وهيئ لي كل أسباب العزم والقوة لجهاد أعداء دينك، حتى أَنتصر عليهم بسلطانك وتأْييدك، حتى أَكون أهلا لما وعدتني من المقام المحمود، وقيل علمه جل شأنه أَن يدعوه بأَن يخرجه من دار المشركين دار الإِيذاء والغدر، وأَن يُدخله موطنا للطمأنينة والأمن فدعا ربه كما أَمره فأَخرجه من مكة وأَدخله المدينة، وروى هذا المعنى الترمذي عن ابن عباس قال: كان النبي ﷺ بمكة ثم أمر بالهجرة فنزلت. وقال الضحاك: هو خروجه من مكة مهاجرًا، ودخوله مكة يوم الفتح آمِنًا - وتقديم الإِدخال في الآية على الإِخراج مع أَن إخراجه من مكة أَسبق من إدخاله فيها بعد ذلك، لأن إِدخاله فيها هو الهدف المقصود، وقيل المعنى: أَدخلني في الأمر الذي أَكرمتني به من النبوة مدخل صدق وأَخرجنى منه مخرج صدق إذا أَمتنى، قاله مجاهد.
أَي حجة ثابتة وبرهانا بينا يكون به النصر على من يخالفني، وكون السلطان مرادًا به ما ذكر، موافق لرأْى الشعبى وعكرمة. وذهب الحسن إِلى أَن المراد به إظهار دينه على الدين كله، بالتسلط على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين بإقامة الحد، وبعصمته من كل أذى يوجه إِليه وإِلى دين الله. وقد استجاب الله لدعاء رسوله، فأَظهر دينه على الأَديان كلها وعصمه من أَذى الناس وكيدهم، يشير إِلى ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
(١) مدخل صدق، أي إدخال صدق، ومخرج صدق أي إخراج فهو مصدر ميمي في كلي