تحت هذا الجدار كَنز لهما، استحقاه عمن قبلهما، كأبيهما أو جَدٍّ لهما أو غير ذلك، وكان أبوهما صالحًا، فرأيت من المروءة أن أُقِيمَ الجدار على الكنز حذرًا عن انهيار المائل وظهور المكنوز تحته، فيستولى عليه من لا يستحقه من الناس، ولم يمنعنى من البر باليتيمين بخل أهل هذه القرية علينا، فإن للإحسان باليتامى أَجرًا عظيمًا.
وكان هذا الكنز من ذهب وفضة، كما أخرجه البخاري في تاريخه، والترمذى والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء، ولم تتعرض الآية الكريمة لبيان من هو الذي أخفى الكنز تحت الجدار، فإن كان أباهما أو جَدَّهُمَا فهو حق لهما في شرعنا وشرع من قبلنا بلا خلاف، وإن لم يعرف كَانِزُهُ فيحمل استحقاقهم له على أنه كان حلالًا في شرعهم، واحتجَّ لهذا بما أَخرجه الطبرانى عن أَبي الدرداء. في هذه الآية قال:"أحلت لهم الكنوز وَحُرِّمَتْ عَليْهِمُ الغنَائمُ. وَأحِلَّتْ لَنَا الْغَنَائِمُ وَحُرِّمَتْ عَلَينَا الْكُنُوزُ".
وقيل: إنَّ الكنز لم يكن ذهبًا ولا فضة بل كان صُحُفَ عِلْمٍ، فقد أَخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أَنه قال: ما كان ذهبا ولا فضة، ولكن كان صحف علم. وروى ذلك عن ابن جبير أيضا، وقيل: إِنه لوح من ذهب، فقد أَخرج ابن مردويه من حديث علي - كرم الله وجهه - مرفوعا والبزار عن أَبي ذر كذلك، والخرائطى عن ابن عباس موقوفا، أَنه كان لوحًا من ذهب مكتوبا فيه "عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إِليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله" والله أعلم بصحة ذلك.
ثم بين الخضر ﵇ أنه كان يتلقى الأمر فيما يفعله من الله تعالى فقال:
(١) إسناد الإرادة هنا إلى الله لأنه إنعام محض، فمناسب إسناده إليه تعالى بخلاف ما مر في السفينة والغلام فقد كان إفسادا في الظاهر، فلهذا أسنده الخضر إلى نفسه كما مر بيانه بالهامش، وإن كان الكل بأمر ا