للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٨٠ - ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾:

أي وأَما الغلام الذي قَتَلتُهُ أنا واعْتَرَضْتَ يا موسى على قتله دون ذنب ظاهر لك فهو غلام شرير بطبيعته، وكان أبواه مُؤْمِنيْنِ صالِحَينِ، فتوقعتُ أن يغمرهما بمجاوزته الحدود الإلهية، وكفره بالله تعالى، فلهذا قتلته.

وفسر بغض العلماء إرهاقه لهما بالطغيان والكفر، بأن يحملهما حبه - لو بقى حيا - على متابعته، وهذا التفسير مأْثور عن ابن جبير.

ولكن الخوف من وقوع ذلك في المستقبل لا يبرر قتله للغلام، فقد لا يقع، فلهذا فسر بعض شراح البخاري الخشية هنا بالعلم، أي فعلمنا من الله تعالى أنه لو بلغ لدعا أبويه إلى الكفر فيجيبانه، ويدخلان معه في دينه لفرط حبهما له، أو علمنا أنه لو بلغ لأرهقهما طغيانًا عليهما وكفرا بنعمتهما، بسبب عقوقه وسوء صنيعه، فيلحقهما من ذلك شر وبلاءٌ.

ومن العلماء مَنْ قال: إن الغلام كان شابا بالغا وكان شريرا كافرا، ولا يمنع بلوغه من إطلاق لفظ الغلام عليه، فإنه يستعمل لغة فيمن ظهر شَارِبُهُ، وفي الكهل، وفي الشخص من حين يولد إِلى أن يصير شابا - كما جاء في القاموس - ويستدل أصحاب هذا الرأى بما جاء في بعض الآثار من أنه كان يفسد ويقطع الطريق، ويقسم لأبويه أنه ما فعل، فيقسمان بقسمه ويحميانه ممن يطلبه، ولحل هذا الرأي يؤَيده ظاهر الآية التالية:

٨١ - ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾:

أي فأردنا بقتله أَن يرزقهما الله بدله خيرا منه، طُهْرًا في الدين والأخلاق، وأقرب رحمة منه بهما، أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهما أُبدلا جَارِيَةً وَلَدَتْ نَبِيًّا، وقال الثعلبى: إنها أدركت يونس فتزوجها نبى من الأنبياء، فولدت نبيا هدى الله على يديه أُمة من الأمم. والله أعلم.

٨٢ - ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾:

أي وأما الجدار الذي أَقمتُه بدون أجر، وكان وشيك الانقضاض، فكان لغلامين مات أَبوهما فأصبحا بعده يتيمين في القرية التي طلبنا الطعام من أهلها، فبخلوا به علينا،