للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقمرها المضيء ليلًا، خلقه الله ليهدي السائرين، ويرشد الحائرين.

ونجومها المنيرة السابحة وكواكبها اللامعة الزاهرة: جُعِلَت معالم للحيارى، ومراشد للمدلجين: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ (١).

وفي هذه النيرات نجوم ملتهبة منيرة كشمسنا أو أكبر، وكواكب تدور حولها كمجموعتنا الشمسية، وتستمد ضوءَها منها، كما تستمد مجموعتنا الشمسية ضوءَها من شمسنا. وهذه وتلك، جاوزت أرقام الحساب التي عرفها البشر، وفاقت عظمتها ما يخطر بالعقول. وقد ارتبط بعضها ببعض، بنظام الجذب والدفع الذي حفظ الله به توازنها.

وكل ما في الأرض عجيب مفيد، فجبالها أوتادٌ لها، تحفظها من أن تميد بنا، وأنهارها وبحارها مصادر لأرزاقنا، ومعابر لسفننا، وسبب لحفظ حياتنا، ومعادتها نتخذ من بعضها حُلينا وعملتنا، ونتخذ من بعضها أوانينًا وأدواتنا ومواد بنائنا، وأسلحة دفاعنا وهجومنا على أعدائنا، والسهل من أرضها نزرع فيه أقواتنا، والتلال والهضاب نتخذ فيها الحصون والقلاع لنرد عادية خصومنا، وأشجارها وزرعها وطيورها وحيوانها لأرزاقنا ومنافعنا، وهواؤُها حياة لنفوسنا وحيواننا ونباتنا.

أفلا يدل ذلك على إله عليم قادر حكيم، رحمن رحيم لا شريك له فيما صنع! فإن وحدة الوجود وكماله واتساقه يشهد بوحدة الخالق المدبر، إذ التعدد مصدر للفساد، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (٢).

وثاني هذه الأدلة: ﴿اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، واختلافهما: تعاقبهما، فبينما الليل يلف الأرض بظلامه، والناس فيه رقود ساكنون، إذ ينبعث النهار من تحت إهابه، فتسجع الأطيار، وتطير من الأوكار باحثة عن رزق الكريم الرحيم، ويهب النائمون من مراقدهم، يبحثون عن أرزاقهم، ويسعون في سبيل عيشهم.

وكما أن الليل والنهار يختلفان بالتعاقب، فإنهما يختلفان كلاهما بالطول تارة والقِصَر أخرى.


(١) سورة النحل: ١٦.
(٢) سورة ق: ٣٧.