للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمن أبدع ذلك لصالح خلقه سوى إله واحد قدير عليم، مهيمن حكيم؟!.

وثالث هذه الأدلة: ﴿الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ فهذه الفلك: أرشد الخالقُ العقول البشرية إلى صنعها من خشب أو حديد، على نحو معين يسمح لها بأن تطفو فوق سطح الماء بما تحمله من أثقال، وأن تتحرك يَمنةً أو يَسرة، حسب الاتجاه الذي يُراد لها، وأن تجري بالريح التي تملأ أشرعتها وتدفعها، أو بالآلات والوسائل والأسباب التي يسر الله للعقول استحداثها، وهي تحمل أثقالنا وأنفسنا، وتجارتنا النافعة لنا، من قُطر إلى قُطر، وتربط البلاد بعضها ببعض: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ (١).

والله تعالى كما يمسك بنواصي النفوس، يمسك أسباب السلامة في رحلة هذه السفن. ولو شاء لأسكن الريح، ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ (٢)، ولو شاء لعطل آلاتها، فتغرق بمن فيها، أو يموت راكبوها جوعًا وظمأ. فمن الذي خلق المواد التي صُنعت منها؟ ومن الذي أرشد العقول إلى صنعها على نحو يُرجى فيه السلامة؟ ومن الذي يسَّر لها أسباب الأمان، سوى إله واحد قادر عليم، رحمن رحيم؟

ورابع هذه الأدلة: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ والسماء هنا: السحاب، والآية تشير إلى حجة عظيمة، تتجلى فيها الرحمة والشفقة بالعباد أو يتجدد فيها التعهد بالفضل والنعمة، كلما احتاجت الكائنات الحية إلى الماء: أصل الحياة وينبوعها. قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (٣)﴾.

فبينما نرى السماء صافية الأديم، إذا رحمة حانية من الخالق الكريم الحكيم، تبعث الرياح، فتثير سحابًا كونته قدرته تعالى من بخار المياه، فيبسُطه برحمته فوق أرجاء مختلفة من الأرض، ويوزعه بعدالته بين عباده الذين يعيشون على رحماته، وينزل مياهه - بحكيم تدبيره - على الروابي والبطاح والسهول والجبال، فتتخذ سبيلها إلى خزانات وأغوار فوق سطح الأرض أو تحت سطحها.


(١) سورة الشورى: ٣٢.
(٢) سورة الشورى: ٣٣.
(٣) سورة الأنبياء: ٣٠.