ولما كان كلا الأمرين ضربًا من الخيال، ناشئًا عن خداع النظر، فلهذا قال تعالى:
﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ أو ﴿فِي عَيْنٍ حَامِيةٍ﴾ على القراءتين، أي هذا الذي رآه أمر ناشيء في وجدانه وخياله، وليس من الحقائق الواقعة، فما أجمل تعبير القرآن بقوله "وجدها" وما أحراه بالإجلال والاعتبار.
وكما يراها الناظر عند غروبها تغرب في عين ماء حمئة أو حامية إذا كان على شاطئ المحيط فإنه يراها تشرق خارجة من اليابسة، وتغرب داخلة فيها إِذا كان واقفًا على متسع فسيح من أرضها، والحقيقة أن الشمس لا تغرب في الماء ولا في اليابسة عند الغروب، ولا تشرق منهما عند الشروق فالشمس أَكبر من الأرض أضعافًا مضاعفة، ولا تختفى عن مدارها، والأرض تدور تحت أشعتها فتعُمُّ الشمسُ نصفهَا بضوئها، لأنها على شكل كرة، فيكون النهار في القسم الذي استضاء بنورها والليل في القسم الآخر.
وكلما دارت الأرض اختفت أشعة الشمس عن بعضها: فحل فيه الليل محل النهار، وظهرت أَشعتها في بعض آخرَ تَكشَّفَ للشمس، فَحَلَّ فيه النهارُ مَحَل الليل.
والذى يحجب ضوة الشمس عن بعض الأرض هو البروز الكروى للأرض، فهو الذي يمنع أشعة الشمس عما انخفض منها بسبب حركتها الدائرية، ولو كانت مبسوطة وغير دائرة لما غابت الشمس عنها، ولكان وقتها نهارًا دائمًا، وأما ما ورد في القرآن من أن الأرض مبسوطة فمحمول على ما هو في رأى العين، كما في قوله تعالىَ في سورة نوح:
أي ووجد ذو القرنين في طرف الأرض من ناحية المغرب، وجد قوما عند العين التي تخيلها وتخيل أَن الشمس تغرب فيها، وكان هؤُلاء القوم مشركين، كما هو شأْن الناس عند غياب المرسلين عنهم، قال الله له على سبيل التخيير: ياذَا القَرنَيْنِ، إما أن تُعَذِّبَ هؤُلاء القوم بالقتل إِن أبوا الإِيمان وأصروا على الشرك، وإما أن تتخذ فيهم أَمرًا ذا حسن، بالمصابرة والمطاولة لعلهم يؤْمنون ويَرْشدون، وكان تخيير الله لذى القرنين على النحو السابق إِما على لسان نبى كان موجودًا في هذا الزمان، وإما على سبيل الإِل