للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له عنها، فخلقها إلى جواره، وذَلَّلَها له، لينتفع بها في أغراضه. فَمَنْ يقدر على ذلك سوى إله واحد رحمن رحيم، قادر عليم؟.

وسادس هذه الأدلة: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾: أي تقليبها وتلوينها.

فأحيانًا تكون نسيمًا عليلًا طيبًا، ينعش الأرواح، وأخرى تكون جافة حارة تضيق بها النفوس، وتارة تجدها لينة رخاءً، وأخرى عاصفة هوجاء، وأحيانًا ريحًا عقيمًا: " ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ (١) إلى غير ذلك: مما تقتضيه حكمة الحكيم: الذي أحسن كل شيءٍ خلقه، ورتبه على حسب مشيئته وما ينبغي لصلاح أرضه، ولو أمسك الريح ساعة لهلك كل شيء حي على سطحها، فمن فعل هذا سوى إله واحد: حكيم عليم، قهار مقتدر!!.

وسابع هذه الأدلة: ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

فهذا السحاب جعله الله مصدر المطر الذي به حياة الكائنات الحية، ومخازن له متنقلة متجددة من آن لآخر، وهو يشبه الضباب الذي نراه صباحًا، في الأوقات التي يكون الجو فيها مشبعًا بالرطوبة.

وهو يتكون من بخار الماء، ويكون في الجو كالجبال، وقد سخره الله بقدرته وذَلَّلَهُ، وجعله مطواعًا للريح، تنقله إلى حيث شاء الله.

والسحاب في تكوينه، وتسخيره، وجعله بين السماء والأرض، ورعده، وبرقه، ومطره - آية عظيمة، من آيات الخالق : ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ (٢).

ثم ختم الله هذه الآية بقوله: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي إن هذه الآيات الكونية السبع، لدلائل واضحة على ما جاء في الآية التي قبلها من صفات الله وهي قوله تعالى:


(١) الذاريات: ٤٢.
(٢) النور: ٤٣ و ٤٤ وسيأتي شرحهما.