فأَثار ذلك أَحزانها وجعلها بعد تمنى الموت تتمني أَن تُنسى فلا تذكر أَبدا حيث قالت:
﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾: أَي وكنت شيئًا تافها، يطرح فلا يتألم لفقده لتفاهته وعدم الاهتمام به، والمنسى الذي لا يخطر ببال أَحد من الناس، فذكره بعد. ﴿نَسْيًا﴾ لتأكيد إهمال هذا الشيء، وكأنها تريد كما قال أبو زيد: لم أَكن شيئًا قط، أو كما قال قتادة: شيئًا لا يعرف ولا يذكر ولا يدرى من أَنا ..
٢٤ - ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا … ﴾ الآية.
المنادى إما جبريل، وإما عيسى ﵉، فعلى الأول يكون المعنى: فناداها جبريل من مكان أَسفل منها في بقعة تنخفض عن البقعة التي كانت عليها، حين فاجأَها المخاض، وقد ذهب إلى أن النداءَ كان من جبريل عبد الله بن عباس ﵄.
وأما على أن المنادي عيسى فقد أنطقه الله حين الولادة، وروى ذلك عن مجاهد ووهب وابن جبير ونقله الطبرسى عن الحسن.
وقرئَ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ بفتح الميم وكسرها، وعلى كلتا القراءتين يحتمل أَن يكون المنادي جبريل أو عيسى ﵉ كما تقدم.
﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾: هذا تفسير للنداء السابق، أَي أَن المنادِي هتف بها عن قرب منها، ينهاها عن الحزن خوفًا من مقالة الناس بشأن ولادتها من غير زوج قائلا في ندائه: لا تحزنى قد جعل ربك تحتك غلامًا شريفًا سيكون له شأن عظيم.
ثم أَتبع سبحانه الحديث عن شرف وليدها حديثًا آخر عن طعامها في نِفَاسِها تذكيرًا بآلائه، ورضاه عنها، وتخفيفًا لكربها …
أَمرها بهز جذع النخلة لترى آية أخرى من آيات الله في إحياء مواتِ الجذع، أي حرِّكيه تحريكًا متواليًا بطريق الجذب إلى جهتك.
﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾: تكفل الله بإطعامها بما لا يتعبها ولا يشقيها، بل بما هو في متناول يدها، حيث أَمرها بهز جذع النخلة إِلى جهتها هزًا متعاقبًا، تُسَاقط أَي تُسْقِط