عليها النخلة تمرًا نضِيجا قد طَرِىَ وأصبح صالحًا للاجتناء؛ والرُّطب - كما قيل - من أطيب الأطعمة للنُّفَساء. فقد ثبت طبيًا أَنه يحتوى علي المواد الغذائية الرئيسية بصورة مركزة سهلة الهضم، محققة الفائدة، ولو علم الله طعامًا يفضله لأطعمه مريم ﵍، وعلى الرطب وغيره من أنواع التمر يعتمد كثير من القبائل العربية وغيرها إلى أيامنا هذه، وتجد في تلك الأنواع كل ما تحتاجه مقومات الحياة.
امتَنّ سبحانه على مريم ﵍ بما تضمنته الآيتان السابقتان من إخراج الرطب لها في غير وقته خرقًا للعادة، لتسليتها عن حزنها، ولتنزيه ساحتها عما تختلج به صدور المتقيدين بالأحكام العادية، وقد جاءَت هذه الآية تفريعًا على ما ذكر، لتأْمرها بالأَكل من الرطب والشرب مِن الماء حولها، وبأَن تطيب نفسًا إيذانًا بحسن العاقبة.
والمعنى: فكلى من الرطب الجنى، واشربي من الماءِ النقى - وقيل من عصير الرطب - وطيبى نفسا بعيسى وأذْهبِي عنك ما أحزنك، بشأن مولده دون أب. وما يترتب عليه من سوء القالة، فسوف نبرئك مما يشينك، ونجعل لولدك شأْنًا عظيمًا.
هذا: ومما قيل في معنى ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ اجعلى عينك تسكن للراحة والنوم، قال أبو عمرو: أقر الله عينها أي أنامها وأذهب سهرها، وقال الشيبانى ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ أي نامي، وكل ذلك متقارب المعاني، وقدم الأمر بالأكل في الآية، ليجاور ما يشاكله وهو الرطب. والأمر يحتمل الوجوب والندب. وذلك حسب حالها التي هي عليها، وقيل هو للإباحة.
﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾: كائِنا من كان يريد أن يستنطقك ويتحدث معك، فيسألك عن وليدك ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾: أي قولى هذه الجملة وعبرى عن معناها بلغتك تعبيرًا لفظيًا، وبه قال الجمهور، وقال جماعة: القول هنا بالإِشارة لا بالكلام، وكان صومهم إمساكًا عن الطعام والكلام كما تأمرهم به شريعتهم. قال