﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾: المراد بهذا العدو فرعون، وقد نفذت أم موسى ما أُلهمت به فاتخذت تابوتا محكما. ووضعت فيه موسى وألقته في النيل، وكان يذهب منه فرع إِلى بستان فرعون - كما قيل - فرأى آل فرعون التابوت فالتقطوه وفتحوه فوجدوا فيه صبيا أَصْبَحَ الوجه، فأَحبه عدوُّ الله حبًّا شديدًا بحيث لا يمالك أَن يصبر عنه، وذلك قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾:
والمعنى:
أَي وأَنزلت عليك محبة مني، إذ أَحببتك وجعلت من يرونك يحبُّونك، فأَحبك فرعون وأنزلك منه منزلة الولد، وأَحبك أَهله وحاشيته، وفعلْتُ ذلك لكي تربَّى وتنشأَ لديه، وفي منزله في رعايتى وحفظى، تلحظك عين عنايتى، قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ أَحبه الله وحببه إِلى خلقه، وقال في تفسير قوله سبحانه ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾: يريد أَن تدبير أَمرك بعينى، أَي بعلمى ومشيئتى، حيث جُعِلْتَ في التابوت، وحيث أُلقى التابوت في البحر، وحيث التقطتك جوارى امرأَة فرعون، فذهب بالتابوت إِليها مغلقًا، فلما فتحته رأَت صبيًا لم يُر مثله قطُّ، وأَلقى عيها محبته، فدخلت به على فرعون، وقالت له: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ انتهى باختصار وتصرف (١).
وقال ابن عطية: جُعِلَتْ عليه مَسْحَةُ جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه، وقال النحاس في تفسير ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ ولكى يفعل بك الصنيعة - أي الإِحسان - بحيث تربَّى بِالْحُنُوِّ والشفقة، وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعى الرجل الشيءَ بعينه، إِذا اعتنى به - يريد أن في الكلام استعارة بالكناية - فليس لله عين كعيوننا، فهو منزه عن مشابهة الحوادث، ولكنها عين العناية والرعاية الصمدانية.
لما قذفت أم موسى وليدها في اليمِّ، صار فؤَادها فارغا من الصبر لفراقه، فقالت لأُخته: قُصِّيه وتعرفى خبره، وكانت امرأَة فرعون قد طلبت له المراضع، فكلما عرض على مرضع