للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَبي أن يرتضع منها، حيث حرم الله عليه المراضع، وكانت أخته تمشى بجوار النيل ترقب مصيره، فبصرت به عن بعد وهم لا يشعرون بأَنها ترقبه، فلما علمت مصيره ورأتهم يطلبون له المراضع، استأذنت من أَجله فأَذنوا لها: فأخذته ووضعته في حجرها، وناولته ثديها فمصه وفرح به، كما روى عن ابن عباس، فعرضوا عليها أَن تقيم عندهم، فقالت إنه ليس لي لبن، ولكن هل أَدلكم على من يكفله وهم له ناصحون، قالوا ومن هي؟ قالت: أمى، فقالوا: أَلها لبن؟ قالت: نعم. من أَخى هارون - وكان قد ولد قبل موسى - ولم يكن قد بدأ القتل في مواليد بني إِسرائيل المذكور فوافقوا على إِرضاعها إياه، فعادت فأَخبرتها، فلما جاءَته تقبل ثديها وارتضع منها، تلك خلاصة ما روى عن ابن عباس في قصة عودته إلى أُمه.

والمعنى: واذكر يا موسى حين كانت أُختك تمشى على الساحل لتعرف مصيرك، فعرفت أَنك انتهيت إِلى دار فرعون، وأَنهم بحاجة إِلى مرضع، فقالت لهم: هل أَدلكم على موضع تتكفل برضاعه؟ فوافقوا.

﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾:

أي فرددناك إِليها لترضعك، وأَنت مكرم في بيت فرعون لكي تستقر عينها، فلا تكون زائغة أو متحركة تنظر هنا وهناك، باحثة عن مصيرك، أَو مشفقة من شدة الحيرة علي فَقْدك.

ويجوز أَن تكون قرة عينها كناية عن فرحها، يقولون: قَرَّت العين إِذا بَرَدَتْ عند السرور، وللسرور دمعة بارِدة، وللْحزن دمعة ساخنة (١).

﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾:

لا يزال الكلام مفصلًا في بيان نعم الله على موسى قبل أَن يشرفه بالنبوة والرسالة، والنفس التي قتلها موسى نفس قبطيٍّ كان يقتتل مع رجل من بني إِسرائيل، فاستعانه الإِسرائيلى


(١) وعلى هذا يكون تقديم عبارة الفرح على معنى الحزن من باب تقديم التحلية علي التخلية كما يقول علماء البلاغة وإن كان العكس هو الغالب.