واستدل بالآية: على نجاسة الدم المسفوح، ولو كان ذلك من السمك، وإنما حرم الدم، لأنه يشتمل على جراثيم الأمراض، ويتعرض للفساد بسرعة.
وثالث هذه المحرمات: ﴿لَحْم الْخِنزِيرِ﴾، لأَنه يحمل بويضات الدودة الشريطية، وهي أخطر أسباب الضعف وفقر الدم للإنسان، فإنها تمتص خلاصات الأغذية التي يتناولها، وهي على شكل شريط طويل، يمتد في الأمعاء، وهي شديدة النهم، ولا تكاد تشبع، وربما كان التحريم لحكم أُخرى، لا تزال مجهولة لنا.
ورابع هذه المحرمات: ﴿مَا أُهل بِه لِغَيْرِ اللهِ﴾ أي ما ذُبح، وقد ذكر عليه اسم غير الله، وإذا كانت المحرمات السابقة قد حرمت لخبث ذاتها، فمما ذكر اسم غير الله عليه، حُرّم، لخبثه معنويًا: فقد ذكر عليه اسم غير خالقه المنعم به عند ذبحه، ولولا ذلك لكان حلالًا، وسُمي الذكر إهلالًا: لما فيه من الإهلال أي رفع الصوت، والمراد بغير الله: ما يشمل الأصنام وغيرها.
وذهب عطاءٌ والحسن ومكحول والشعبي وسعيد بن المسيب، إلى تخصيص التحريم بما ذكر عليه اسم الصنم ولهذا أباحوا ذبيحة النصراني، إذا ذُكر عليها اسم المسيح، وقد خالفوا بذلك ظاهر النص، وما عليه الجمهور من التحريم، وقد شمل حكم الآية: ذبيحة الوثني، والمجوسي، وكذا ذبيحة المعطل الذي لا يعتقد في الله - تعالى - فهي حرام كذبيحة من ذكر اسم غير الله عليها.
في هذا الجزء من الآية، إباحة هذه المحرمات للمضطر، وهو من أُكره على تناولها ليعيش. والمضطر هنا، هو الجائع جوعًا مهلكًا، ولا يجد غير تلك المحرمات، ومثله من كان في يد عدُوٍّ، أكرهه على أكل لحم الخنزير وغيره.
ومعنى ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾، كما قال السدي: غير طالب لأكلها شهوة وتلذذًا، ولا عادٍ: باستيفاء الأَكل إلى حد الشبع اهـ.
ومن كان في مجاعة مستمرة فله الشبع من هذه المحرمات، استبقاءً لنفسه.