والمعنى: لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله تدبر شئونهما وتصرف أَمرهما لفسدتا؛ وذلك لأن شأن التعدد الاختلاف والتغالب، وأَن يفسد كل من الآلهة عمل الآخر، وبما أن المشاهد هو صلاح السماوات والأرض وبقاؤهما منذ بدء الخليقة على هذا النظام البديع والتدبير المحكم، فإن ذلك يدل أَوضح دلالة على أن خالقهما ومدبرهما هو إِله واحد.
والآية الكريمة تشير إلى برهان عقلى يسمى برهان التمانع والتعارض بين إِرادات الآلهة المتعددين، وشاهد صحة هذا البرهان في الحياة، أَن الأمة لا يصلح أَمرها إلا بملك واحد، فإن تعددت ملوكها فسد الأمر فيها، والجسد الواحد لا يصلح أَمره إِلا بقلب واحد، فإِنْ تعددت القلوب فسد الجسم، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ كما أن الأسرة لا يصلح أمرها إِلا برئيس واحد، فإن تعدد الرؤساءُ فيها فسد، والمصنع لا يديره إِلا رئيس واحد، فإن تعدد رؤساؤه تعارضوا وفسد الأمر فيه، وهكذا كل أَمر في الحياة لا يصلح إِلا بإرادة واحدة رشيدة فعالة مسيطرة، ليس لها معارض يفسد عليها تدبيرها، ولهذا نزه الله تعالى نفسه عما يقوله المشركون عن شركائهم بقوله في نهاية الآية:
﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾: أي فيترتب على هذا البرهان الواضح تنزه الله صاحب العرش والسلطان المطلق عن وصف هؤلاءِ المشركين إِياه بأَن له شركاءَ تستحق العبادة معه، إذ أَنهم جميعا في ظل سلطانه وتحت عرشه وفي قبضة ملكه، وكرم ربوبيته.
وهذه الجملة مع إفادتها تنزيه الله تعالى عما يدَّعيه المشركون، فقد أَفادت التعجب من عبادتهم هذه المعبودات الخسيسة، وفي عدها شريكة لرب العرش العظيم.
ولعلماء العقيدة براهين أُخرى، وحسب القارئ ما قدمناه.
استئناف مبين لما يقتضيه تفرده سبحانه بالألوهية وعظمة الربوبية، وهو أَن يكون سائلا لعباده عما يفعلون لا مسئولا منهم عما يفعله فيهم، يقول العلامة الزمخشرى في