كما أَنه لا يوجد دليل نقلى على جواز شركهم، وإِليه يشير قوله تعالى:
﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾: أَي هذا التوحيد الذي دعوتكم إِليه، هو ذكر مَن معى من أُمتى، وذكر من قبلى من الرسل وأُممهم، فهو شريعة الله في جميع الرسالات، ولم يختص به الأُمة المحمدية.
ويصح أن يكون المعنى: هذا القرآن تضمن وَعْظ الله لأُمتى، ووعظه سبحانه لأُمم الأنبياء والمرسلين قبلى، فاقرءُوا الكتب السماوية كلها، وانظروا هل تجدون في أَحدها ما يخالف الآخر في عدم مشروعية الشرك؟ ثم انتقل الأُسلوب القرآنى من الخطاب إلى الغيبة بطريق الإِضراب الانتقالى، في ختم الآية بقوله تعالى: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾: أَن هؤلاءِ المشركين لا يجدى تبكيتهم على عقيدة الشرك التي لا يوجد لأحد عليها دليل عقلى ولا نقلى، فدَعْ مطالبتهم بالبرهان، فإنهم لا يعقلون أَن الشرك لا برهان له، فلهذا لا يفرقون بين الحق والباطل ولا يميزون بينهما، فتراهم يعرضون عن الحق دون تأمل.
والتعبير بأكثرهم لأن فيهم من اهتدى إِلى معرفة الحق، ثم آمن به مقبلا عليه متفانيًا في سبيل الدفاع عنه.
بيَّن الله في الآيات السابقة بطلان عقيدة الشرك عقلا ونقلا، وجاءَت هذه الآية لتؤكد ذلك ولتبين أن عقيدة التوحيد، كانت عقيدة الرسل التي أَوحاها الله إِليهم، قال قتادة: لم يرسل الله نبيا إِلا بالتوحيد، وإن اختلفت الشرائع. انتهى بتصرف يسير.
والمعنى: وما بعثنا قبلك يا محمد رسولا إِلى أمته بشريعة من شرائعنا إلا أَوحينا إليه فيها أَنه لا إِله لهم سواى، فاعبدوني أَنتم وجميع أُممكم ولا تعبدوا أَحدًا غيرى.