ونقل الواحدى: أن هذه العقيدة ليست قاصرة عليهم، بل قالها معهم قريش وجهينة وبنو سلامة وبنو مليح، وأَخرج ابن المنذر وابن أَبي حاتم عن قتادة قال: قالت اليهود إن الله تعالى صاهر الجن فكانت بينهم الملائكة، فنزلت. وأيا كان سبب النزول فالآية الكريمة تظهر شناعة هذا القول وقائليه من هؤلاءِ وغيرهم كالنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، واليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، وجميع من قالوا: الملائكة بنات الله، وكما تشنع هذه الآية على عقائدهم فيهم، تبين صفة هؤلاء عند الله وهى العبودية دون النبوة.
والمعنى: وقال فريق من الناس: اتخذ الرحمن له ولدًا يشاركه في الأُلوهية، وليس الأمر كما زعم هؤلاءِ الزاعمون، بل هؤلاء الذين زعموهم له أَولادا ما هم إلا عباد مقربون عند الله، مكرمون منه، لصفاءِ عبادتهم لربهم، وإخلاصهم لربهم، ولفظ الولد يطلق على الواحد وكذا المتعدد كما هنا، ولهذا جاءَت بعده صيغة الجمع في قوله: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ أي: بل الولد الذين زعموهم لله هم عباد مكرمون عنده.
أي أن من زعموهم أَولادًا لله لا يسبق قولهم قوله تعالى، ولا يعملون إلا بأمره كما هو شأن العبيد المطيعين لسيدهم المنقادين له، فهم تابعون لمولاهم في أَقوالهم وأَفعالهم دائِما، ثم بيَّن السر في أَدبهم هذا بقوله:
أي أن هؤلاءِ الذين زعموهم أَولادًا، في غاية الطاعة له، لأَنه سبحانه يعلم جميع أحوالهم المستقبلة والماضية، فلهذا يراقبونه تعالى ويخشونه، ويطيعونه في أمرهم كله ولا يتقدمون للشفاعة لأحد إِلا لمن ارتضى أَن يُشْفَعَ له من المؤمنين العصاة دون الكافرين لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
أخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقى في البعث، وابن أَبي حاتم عن ابن عباس في بيان من يرتضى الله الشفاعة لهم:"مَن قَالَ لَا إلهَ إلاَّ الله" فهو يرى أَن الشفاعة