والمراد من ذكر هذه القصة: بيان مخالفتهم لجدهم إبراهيم في عقيدته، فقد كان عدوًّا للأَصنام التي يعبدونها، كما أَن فيها حث النبي على أَن يحتذى مع عَبَدَةِ الأصنام من قومه حذو أبيه إبراهيم ﵇ مع قومه، فيبين لهم فساد عبادة غير الله، ويصبر على أَذاهم.
أي قال قوم إبراهبم - لمَّا لم يجدوا حجة مقنعة ولا برهانًا يعتمدون عليه - قالوا -: إِنا وجدنا آباءَنا مقيمين على عبادة هذه الأصنام فاقتفينا أثرهم، وسرنا على نهجهم، وفي هذا الرد غاية الامتهان لعقولهم، ونهاية الاستخفات بعقيدتهم؛ لأَن الاحتجاج بالتقليد مُسْتَنَدُ العاجز المفحَم، وكأنهم قالوا: لا دليل لنا على ما نفعل ولا حجة لدينا في عبادتنا تلك إِلَّا تقليد الآباءِ والنسج على منوالهم.
والتعلل بتقليد الآباءِ في عبادة غير الله داء استشرى في أُمم كثيرة، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ (١).
وهكذا جاء رد إِبراهيم ﵇ مسفهًا لعقولهم وعقول آبائهم من قبلهم؛ إذ أَقسم لهم أنهم وآباءَهم في ضلال وَغَيٍّ واضح، بعُدوا به عن طريق الحق، وانحرفوا عن النهج القويم.
أي أَن إبراهيم ﵇، لمَّا سفه أَحلامهم، وضلل آباءَهم، واحتقر آلهتهم، قالوا له: أهذا الكلام الذي صدر منك تعيب فيه آلهتنا، وتحط من قدرها، تقوله هازلًا ولاعبًا أو تقوله جادًّا ومحقًّا فيه؟ فإنا لم نسمع به قبلك، فأَجابهم بما حكاه الله بقوله:
أي: قال إِبراهيم - ردًّا على قومه -: لقد جئتكم بالحق، ولست هازلًا أَو لاعبًا، فليست هذه التماثيل أَربابا لكم ولا لغيركم، بل ربكم المستحق لعكوفكم على عبادته، هو رب السماوات