مساءَلته والعقوبة التي تحل به، فيشفى ذلك صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم،، ليكون ما ينزل به رادعًا لمن تحدثه نفسه أَن ينال من الآلهة، أو يحاول الميل إلى دين إِبراهيم الذي يدعو إليه، فلما أَحضروه بمشهد من قومه سأَلوه سؤال تقرير حتى يعترف بما فعل ليقدموا على عقابه.
أَي: أَأَنت الذي حطمت آلهتنا وكسرت معبوداتنا التي هي عندنا بمكان التقديس والتعظيم؟ وكيف تجرأْت على ذلك ولم تخف غضبها عليك، ولا غضبتنا لها، وانتقامنا منك؟
وكان جواب إبراهيم ﵇ غريبًا عجيبًا مخالفا لما كانوا ينتظرون، وذلك ما حكاه الله بقوله:
لم يكن إِبراهيم يقصد أن صنمهم الكبير هو الذي حطم الأَصنام الصغيرة على الحقيقة، بل كان يريد بهذا الأُسلوب المجازى إِلزامهم الحجة وتبكيتهم، والاستهزاءَ بهم، وتنبيههم إِلى قِصَر فهمهم، وسوءِ تقديرهم، مع إرشادهم إلى الصراط السوى والسبيل المسنقيم، لأن هذا الصنم وإن كان كبيرًا فإنه لا إرادة له ولا حياة فيه، فلا يستقيم أَن ينسب إِليه تحطيم غيره من الأصنام وتفتيتها غيرة منها وكراهة لها، والذي يرشح ويقوى هذا المعنى قوله تعالى بعد ذلك: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ وكأَنه قال لهم: لا يعقل أَبدًا ولا يستقيم لدى من عندهم مُسكة من عقل أَن يكون هذا الصنم قد قام بتحطيم غيره من الأصنام، فجميعها جماد لا حياة فيها، وقد صنعت بأَيديكم، ولا يتميز واحد منها على سواه بكبر أَو زينة، فإِن صورها وأَشكالها قد جاءَت حسب أهوائكم ومشيئتكم فكيف تعبدونها؟ وإِذا كانت لا تستطيع حماية نفسها مِمَّن حطمها فكيف تخرون سجدًا لها، أَولى بكم أَن تتدبروا أَمركم، وتثوبوا إلى رشدكم، فتتركوا عبادتها، وتفردوا الله وحده بالعبادة والطاعة. ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾: وهذا غاية السخرية، ونهاية الإِلزام بالحجة الدامغة، فهم لا ينطقون، ومن لا ينطق فلا يستطيع الإخبار عمن اعتدى عليه، ومن كان كذلك فليس أَهلًا للعبادة، وإذا عبده الحمقى والسفهاءُ فجدير به أن يُحَطّ