أَي فتنبهوا واقتنعوا بأَن إِبراهيم محق فيما قال، ورجعوا إلى أَنفسهم يتلاومون، فوصف بعضهم بعضًا بالظلم: ﴿فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾: لأَنهم كذبوا إِبراهيم وعبدوا أَصناما لا تنفع ولا تضر، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، ولا الإِخبار عمن حطمها، وهذه اليقظة العقلية تحدث أحيانا حين تسطع الحجة ويبهر الدليل، ولكنها لا تلبث طويلًا عند الجهلاءِ المقيمين على الضلال، ولذا لم يثبت قوم إِبراهيم على هذا الاقتناع، فعادوا إلى جهالتهم ورُدُّوا إلى سفاهتهم، ولذلك يقول الله تعالى:
أصل النكس: قلب الشيء، بحيث يكون أَعلاه أَسفله، وأُريد به - هنا -: أنهم عادوا إلى المجادلة بالباطل بعد ما استقاموا بمراجعة إِبراهيم لهم، ولم يستندوا في انتكاسهم هذا إِلى برهان ساطع أَو دليل قاطع، ولكنه العناد الذي تركهم في ريبهم يترددون مع أَن الحجة لا تزال قائمة عليهم بقولهم في الدفاع عن أنفسهم:
﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾: وكان مقتضى هذا أن يستمروا على يقظتهم وأَن يخضعوا لحُجَّة إِبراهيم ومنطقه، ولكنهم لغلبة الجهل والصلف عليهم تنكروا للحق، وانساقوا وراءَ الباطل جهلا واستكبارا.