والأُمة كما تطلق على الجماعة من الناس تطلق أَيضا على الدين والملة، وهو المراد هنا.
أَي: إِن الدِّين الذي جاءَ به سائر الأَنبياءِ الذين تقدم ذكر أَنبائهم دين واحد، يدعو إِلى عبادة الله وحده، وإِن اختلفت شريعة كل نبى في بعض التفاصيل الفرعية التي تقتضيها طبائع العصور المختلفة، أما العقائد وأُصول الأَحكام فواحدة من لدن آدم إلى أَن تقوم الساعة.
﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾: أَي وأَنا الرب الذي اخترت الدين، وأَرسلت كل رسول إِلى أُمته بشريعته جملة وتفصيلا، على وفق إرادتى، وطبقا لمشيئتى، وأَنا أَعلم كيف أَبعث الرسل إلى الأُمم برسالاتى وأَنا المستحق للعبادة دون سواى، فاعبدونى ولا تعبدوا غيرى، وحيث كان دين الله واحدًا في أصوله، فيجب الإِيمان بجميع رسل الله الذين يبلغون عنه دينه.
فلا يحل لأَحد أَن يؤمن ببعض الأَنبياءِ دون بعض، ولا ببعض الكتب دون بعض، ما لم تغيرها الأَهواءُ والشهوات، وتدخل عليها ما لم يأْمر به الله.
كان الخطاب في قوله تعالى في الآية السابقة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ كان هذا الخطاب يقتضي أَن يقول هنا: وتقطعتم أَمركم بينكم، ولكنه عدل إِلى أُسلوب الحديث عن قوم في حكم الغائبين فقال: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ إنزالًا لهم عن شرف الخطاب؛ بسبب ما أَحدثوه من التفرق في الدين وجعله قطعا موزعة، ولكى يحكى أخبارهم لغيرهم ذمًّا لهم، كأَنه قيل: أَلا ترون إِلى عظم ما ارتكب هؤلاءِ من الاختلاف في دين الله الذي أَجمعت عليه كافة الأَنبياء، وفي ذلك ذم للاختلاف في الدين، وإسقاط للمختلفين فيه عن رتبة الخطاب إِعراضا عنهم.
ومما اختلف الناس فيه من دين الله: أَمر توحيد الخالق سبحانه.