للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان في شريعة اليهود القصاص، ولم يكن لديهم العفو إلى الدية، فكان تشريعها في الإسلام فيه رفق بالمجتمع، وتهيئة فرصة التوبة للجاني، والتسامح والتصالح مع أُسرة المجني عليه، وذلك يؤدي إلى حقن الدماء، وعدم معاودة القتل بين الأُسر.

روى البخاري عن ابن عباس، قال: "كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله - تعالى - لهذه الأُمة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ فالعفو أن يقبل الدية في العمد".

﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُ وفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾: أي فعلى أهل القتيل أن يطالبوا القاتل بدية المقتول، بالمعروف من غير تعنيف، وعلى المعفو عنه أن يؤدي الدية إلى أهل القتيل بإحسان، من غير مماطلة وبخس.

﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ من رَّ بِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾: حيث عدل عن القصاص إلى الدية.

﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: أي فمن قتل بعد قبول الدية أو بعد العفو، أو قتل غير القاتل، أو قتل القاتل إذا لم يقبل العفو عنه إلى الدية، فله عذاب أليم في الآخرة.

وذكرت الآية الكريمة حكم القصاص في النوع الواحد، ولم تتعرض لحكم ما إذا اختلف القاتل والقتيل نوعًا، كما إذا قتل حر عبدًا، أو رجل امرأة، أو العكس.

والأحناف يرون أن النفس بالنفس مطلقًا، ويشاركهم في ذلك: داود والكوفيون وغيرهم، لهذه الآية، ولقوله تعالى:

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ (١) فإنَّ شرع من قبلنا يجب العمل به إذا لم يرد في شرعنا ما ينسخه، ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي بالدين أو بالدار، وهما سواءٌ فيها، ولقوله : "المسلمون تتكافأ دماؤهم … " (٢). رواه


(١) المائدة: ٤٥.
(٢) رواه ابن ماجة.