والمعنى: قال الرسول: يا رب اقض بينى وبين قومى بحكمك الحق وذلك بنصرتى عليهم. وقد قرئَ: قُلْ بصيغة الأَمر، أَي: قل يا محمد داعيًا ربك أَن يفصل بينك وبين قومك بالحق والعدل. قال قتادة: كان الأَنبياءُ يقولون: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ فأَمر رسول الله أَن يقول ذلك، فكان إِذا لقى العدو يقول - وهو يعلم أَنه على الحق، وعدوه على الباطل -: ﴿رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ اهـ.
ولا فرق في المعنى على القراءَتين إلاَّ أَن قراءَة "قال" لحكاية ما قاله ﷺ وقراءَة "قل" أَمر من الله لنبيه بما يدعو به.
كانوا يقولون: إنهم على حق في عبادة أَوثانهم، وإِن العاقبة سوف تكون لهم وإِن ما توعَّدهم به القرآن من العذاب على شركهم لو كان حقا لنزل بهم، فلهذا حكى القرآن عن نبيه ﷺ أَنه قال لهم في مقابل ما قالوه: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.
أي: والله الذي مَلَكنا وربَّانا، المنعوت بالرحمة الشاملة هو الذي أَطلب معونته على تفنيد ما تزعمون من تلك الأَوصاف، بإِظهار حقى على باطلكم ونصرى عليكم، وقد كذَّب الله سبحانه ظنونهم، وخيب آمالهم وخذلهم، ونصر الرسول والمؤمنين عليهم وصدق الله العظيم إِذ يقول: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (١).