في هذا الجزءِ من الآية يحث الله المؤْمنين على القتال لأَعدائهم بعد أَن أَذن لهم فيه، فقد بين لهم أَنه تعالى أَجرى العادة في الأُمم السابقة أَنه لا يُدْفَع الشر إِلا بمثله والبادئ أظلم، وذلك لكي ينتظمَ أَمر الناس ويسودَ الأَمن بينهم، وتقوم الشرائع وتصان المعابد.
فكأَنه قيل: قد أَذنَّا للمؤْمنين بقتال من ظلموهم وأَخرجوهم من ديارهم بغير حق، فليقاتلوهم ليدفعوا شرهم، ويصونوا مساجدهم، فلولا القتال وتسليط المؤْمنين على المشركين في كل عصر وزمان، لهدِّمت معابدهم، واسْتبيحت حرماتهم.
والصوامع: جمع صومعة. وكانت قبل الإِسلام مختصة برهبان النصارى وعُبَّادِ الصابئة، والمراد بها: هنا مُتَعَبَّدُ الرهبان، والبيعُ: جمع بيْعَةٍ بوزن كِسْرَة، وهي مُصَلَّى النصارى جميعًا ولا تختص برهبانهم كالصومعة، والصلوات: جمع صلاة، وهي كنيسة اليهود، وأُطلق عليها ذلك على سبيل المجاز المرسل، علاقته الحالِّيةُ والمحلية. أَو المظروفية والظرفية.
وقيل: صلوات: معرَّبُ "صُلُوثا" بالثاءِ المثلثة والقصر، وهي كلمة عبرانية معناها: المصلَّى، وروى عن أَبي رجاءِ والجُحْدُريّ وأبى العالية ومجاهد أَنهم قرأُوا بذلك.
والمساجد: جمع مسجد، وأَكثر ما يطلق على مصلى المسلمين، ويقول ابن عطية: الأَسماءُ المذكورة تشترك الأُمم في مسمياتها إِلا البيعة، فإِنها مختصة بالنصارى في كل لغة، ومعظم المفسرين على ما مرَّ بيانه، من أَن الصوامع للرهبان، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين، أما قوله تعالى: ﴿يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ فهو في موضع الصفة لمساجد، وقال بعض المفسرين: إِنه صفة للمواضع الأَربعة المذكورة، فإِن كلا منها يُذْكَر فيه اسم الله في عصره الذي كانت شريعته فيه قائمة لم تنسخ، واستظهر هذا الرأْى أَبو حيان.