في هذا الجزءِ من الآية وعد الله تعالى من يقاتل في سبيله بالنصر والتأْييد، أَما من يقاتل عدوانا وظلما فهو بمعزل عن تأْييد الله، ولئن فاز في بعض جولاته على أَهل الحق فالعاقبة للمتقين الثابتين المترابطين.
ومع أَنه - تعالى - أَذن في هذه الآية للمسلمين بقتال أَعدائهم دفاعا عن أنفسهم أَلزمهم في حربهم بآداب وردت في كتاب الله وعلى لسان رسوله، ففي كتاب الله يقول سبحانه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ وللعدوان صور، منها: قتل من لا شأْن له في القتال، كالنساءِ والصبيان والرهبان، والشيوخ المسنين والمرضى، فالمسلمون ممنوعون من كل ذلك، جاءَ في السنن أَنه ﷺ"مر على امرأَة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس، فقال: ما كانت هذه لتقاتل" وقال لبعض أَصحابه: أَدْركْ خالدًا فقل له: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا" والعسيف: الأَجير، ومن وصاياه ﷺ" لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلا صغيرا ولا امرأَة" وفي صحيح مسلم: عن بريدة أَن رسول الله ﷺ كان يقول: "اغْزُوا في سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تَغْلُوا ولا تَغْدِروا ولا تُمَثِّلُوا ولا تقتلوا الوليد ولا أَصحاب الصوامع" أَما الحرب عند غيرنا فلا تعرف للرحمة سبيلا.
ما جاءَ في هذه الآية إِما وصف للمهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق وأُذن لهم في القتال دفاعًا وردًّا للعدوان. وهو الظاهر (١) - وإما لصدر الأُمة المحمدية الشاملة للمهاجرين والأَنصار وتابعيهم كما روى عن ابن عباس، وإِما للأُمة المحمدية في مختلف عصورها - كما قاله الحسن وأَبو العالية - وعلى أَي حال فالآية مرتبطة بما قبلها.
(١) وعلى هذا تكون الآية دليلا على صحة أمر الخلفاء الراشدين، فالممكنون في الأرض من المهاجرين هم الخلفاء الراشدون دون غيرهم، ولو لم يمكن المهاجرون وكانت الخلافة في غيرهم لزم الخلف فيما يشبه الوعد منه تعالى بأنه يمكنهم في الأرض، وقد وقع الشرط وهو: التمكين وثبت الجواب وهو: إقامة الصلاة وما عطف عليها، وهذا يقتضي أحقية الخلافة في المهاجرين.