حكت الآيات السابقة: أَنه تعالى انتقم ممن كذب المرسلين قبل محمد ﷺ فأَهلكهم وخرَّب ديارهم، وجاءَت هذه الآية لحث مشركى قريش على السير في أَرض المهلَكين لكي يعتبروا بما حدث لهم، فيتوبوا من شركهم وكفرهم.
وهؤُلاءِ لا يخلو حالهم من أنه يكونوا قد مروا على القرى التي أُهْلك أَهلها حولهم كقرى قوم لوط وأَصحاب الأَيكة، ولكنهم لم يعتبروا بما حدث لهم، فالآية حينئذ تَنْعَى عليهم عدم اتعاظهم بالمرور عليها، وتطالبهم بالاتعاظ بها، والهمزة على هذا للاستفهام الإِنكارى المشوب بتوبيخهم على عدم اعتبارهم بما يرونه من آثار المهلكين قبلهم، أَو أَن يكونوا لم يمروا بها، فالآية تطالبهم بالمرور بها والاعتبار بما حدث لأَهلها وعلى هذا فالاستفهام: إِما للإِنكار والتوبيخ على عدم مرورهم واعتبارهم، أَو لتقريرهم بارتكاب هذه الخطيئة، وخلاصة معنى الآية على الوجه الأَخير كما يلى:
أقَعَدَتْ قريش في عقر دارها وقد علموا بالقرى المهلكة حولهم، فلم يسيروا في الأَرض متجهين نحوها ليتعرفوا ما حدث لها ولأَهلها، فتكون لهم عندما يرون آثارها - تكون لهم - قلوب يعقلون بها أَن الكفر بالله وخيم العاقبة، وأَن الرسل صادقون فيما يبلغون أُممهم عن الله رب العالمين، أَو تكون لهم عندما يسمعون ممن حولها أَخبارها - تكون لهم - آذان يسمعون بها، فلا يغلقونها عند الاستماع إِليها، فإِنه لا يُعْتَدُّ بعمى الأَبصار، فإِن من عمى بها قد يدرك الحق بقلبه أَو بسمعه، فكأَنه ليس بأَعمى، ولكن العمى في الحقيقة هو عمى القلوب التي في الصدور، فإن عماها يحجب الحق عنها، فتبقى في ظلام الكفر وغيبوبة الضلال المبين، فسيروا - يا أَهل مكة - في الأَرض، لتنظروا ما حدث للمكذبين قبلكم، وأَزيلوا الغِشاوة عن قلوبكم وعن أَسماعكم، واعتبروا بما حدث لمن قبلكم.
وهذه الآية قررت أَن القلوب التي في الصدور مركز للتعقل والإِدراك، وأَن بها يعرف الخير من الشر، وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة من القرآن، ففي سورة الأَعر