قال الله ﷿ ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ - ١٧٩ - .
وفي سورة محمد قال تعالى ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ - ٢٤ - إِلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأُمور المعروفة طبيًّا: أَن الأَجهزة العقلية كلها في الدماغ، ولا تعارض بين ذلك وبين ما جاءَ في القرآن، فإِن العقول لا غذاءَ لها إِلا من القلوب، ولا تعمل إِلا بمدد منها؛ فإِذا انقطع عنها هذا المدد شلَّتْ وفسدت، وتعرض صاحبها للموت، بل إِن القلوب هي مصدر الحياة للأَجساد، فلا غرابة في أَن يُسْندَ إِليها ما يسند إِلى رعيتها من مختلف الأَجهزة الجسمية، أَلا ترى أَنهم يقولون: فتح الملك المدينة، مع أَنه لم يفتحها سوى جنوده وقواده، وإِنما صَحَّ إسنادُ الفتح إِليه لأَنه السبب الأَول فيه، على أَن قلوبنا تحس تماما بضياءِ الحق فتستريح إِليه وتنشرح صدورنا به، ولا شك أَن هذا الانشراح والراحة القلبية يدلان على أَن في القلوب هدى وبصيرة، وأَن الأَمر ليس قاصرًا على مراكز العقول في الدماغ.
كان النبي ﷺ يحذر قريشا من نزول العذاب بهم، كما نزل بمن قبلهم، إِن استمروا على كفرهم، فكانوا لا يحذرون، وعمدوا إِلى التحدى فطالبوه بإِنزال العذاب الذي يحذرهم منه - طالبوه استهزاءً وتعجيزًا - فأَنزل الله هذه الآية ينكر عليهم استعجالهم فإِن الأَمر ليس لهم، والزمن الطويل عندهم قصير عند ربهم، والآية في ظاهرها خبر، ولكنها تتضمن الاستفهام الإِنكارى لاستعجالهم، فكأَنه قيل: ويستعجلونك - أَيها الرسول - بالعذاب الذي أَوعدتُهم به على لسانك. فأَنكروه وكفروا به، فكيف ينكرون مجيئه؟ ولن يخلف الله وعده، والأَمر في مجيئه ليس إِليهم حتى يسارع به تلبية لرغبتهم، فلا يستبطئوا نزوله، فإِن الأَمر فيهِ لله تعالى والله لا يعجل، فإِن مقدار أَلف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده، فهو قادر على الانتقام منهم في الوقت الذي شاءَه لعذابهم، فلا يفوته ذلك وإِن أَجَّله وأَملى لهم فيه، ولكون المعنى على ذلك، عقَّب الله هذه الآية بقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ وسيأْتى شر