للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولقد حقق الله وعيده فسلط عليهم القحط والجوع حتى أَكلوا الكلاب والْعِلْهز (١)، كما أَنزل بهم في غزوة بدر هزيمة نكراءَ هزت كيانهم، فقتل فيها سبعون من صناديدهم، وأُسر سبعون، ومن المفسرين من حمل اليوم المذكور على يوم الآخرة، والعذاب على عذابها ولكن المقام لا يساعد على ما ذهبوا إِليه، والله الموفق.

٤٨ - ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾:

هذه الآية الكريمة مؤكدة لما جاءَ في الآية التي قبلها من أَنه تعالى لا يخلف وعيده لمن أَصر على كفره، وأَنه إِن أَمهلهم ليتوبوا فلن يهملهم إِن أَصروا، والمراد بالقرية فيها: أَهلها، ونسبة الظلم لها مع أَنه لأَهلها على سبيل المجاز.

والمعنى: وكثير من أَهل القرى أَمهلتهم وهم ظالمون لأَنفسهم بالشرك والمعاصي، لعلهم يستجيبون لرسلهم، ويرجعون عن غيهم، فغرهم هذا الإِمهال ولم يفكروا في عاقبته، ثم أَخذتهم بالعذاب والنكال بعد طول الإِملاءِ والإِمهال، وإِلى حكمى مرجعُهم ومصيرُهم لا إِلى غيرى، فأَفعل بهم ما يستحقونه من النكال على جرائمهم، فلا يفوتنى من أَمرهم شئٌ، لا في الدنيا ولا في الآخرة، أَخرج الإِمام البخاري في كتاب التفسير (٢)، بسنده عن أَبي موسى الأَشعرى أَن رسول الله قال: "إن الله ليُمْلِى للظالم حتى إِذا أَخذه لم يُفْلِتْهُ، ثم قرأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.


(١) بعد أن دعا الرسول عليهم بقوله: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" والعلهز: طعام من الوبر والدم كان يؤكل في المجاعة، ويطلق أيضا على القراد الضخم: قاموس.
(٢) ("باب: وكذلك أخذ ربك") والحديث أخرجه مسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه، واللفظ هنا للبخارى.