للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذهب الجمهور: إلى أن المرض المبيح للفطر، هو الذي يشق احتمال الصيام معه، ولا يحتمل عادة. ومثل المرض الشديد: الخوف من استمراره، أو زيادته أو توقع حدوثه إن صام، بحكم عادة أو مشورة طبيب عادل. وهذا هو الراجح. وقيل: غير ذلك.

وأما السفر، فحدده بعضهم بثمانية وأربعين ميلًا، بينما نزل به البعض الآخر إلى ثلاثة أميال. وقيل: غير ذلك. ويشترطون فيه ألا يكون سفر معصية.

وعلى المسلم أن يحتاط في تقدير المرض، فالصوم أمانة بين العبد وربه، كما عليه أن يحتاط في تقدير مشقة السفر، وبخاصة في هذا العصر الذي توافرت فيه سبل الراحة بالمواصلات السريعة. وحسبه قوله تعالى: ﴿وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فينبغي له أن يصوم كلما أمكن الصوم، وإن انطبقت عليه الرخصة.

وإذا أفطر المترخص بالسفر أو المرض، فلا ينبغي أن يعيب عليه من صام، ومع وجود الرخصة له.

فقد روى الشيخان عن أنس : "كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبيِّ فَلَمْ يَعِب الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِر، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِم".

﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾.

يقول كثير من المفسرين: إن الصيام في أول الإسلام كان بالخيار للقادر عليه، لأنهم لم يكونوا معتادين الصيام قبل الإسلام، فكان فرضه مع الإلزام فيه مشقة عليهم، فرخص لهم الفطر مع الفدية، وقَدْرُها طعام مسكين في اليوم، عن كل يوم. وقدَّرَها أهل العراق: بنصف صاع من بُرٍّ (أي قمح) أو صاع من غيره، وقدَّرَها أهل الحجاز: بِمُدٍّ (١) لكل يوم.

ويُستدل من قال: إن الصيام أول الإسلام كان اختياريًا، وأن الآية نزلت لتخيير من قدر عليه بين الصيام وبين الفدية المذكورة، بما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، عن


(١) المُد بضم الميم: مكيال خاص وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، ورطلان عند أهل العراق، وقدره بعض الباحثين بنصف قدح مصري.