سلمة بن الأكوع ﵁ قال: لما نزلت الآية: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ كان مَنْ شاءَ مِنَّا صَامَ، ومن شاءَ أَفطرَ وَيَفْتَدِي - فُعِلَ ذَلِكَ - حتى نزلت الآيةُ التي بعدها فَنَسَختْهَا: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.
ومن العلماء من لم يقل بالنسخ، ويفسر ﴿يُطِيقُونَهُ﴾ بمعنى: يصومونه جهدهم وطاقتهم، وهذا مبني على أن الوسع هو القدرة على الشيء مع السهولة، والطاقة هي القدرة عليه مع المشقة، فيصير المعنى: وعلى الذين يصومونه مع الشدة والمشقة - إن أفطروا - فدية إلخ. ويدخل فيهم: الشيخ الضعيف والحامل والمرضع ونحوهم.
ويقول بعض أصحاب هذا الرأي: إن الهمزة في أشق للسلب، فمعنى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ على هذا الرأي: وعلى الذين تسلب طاقتهم بالصيام فدية … إلخ، وذلك كما في: قسط بمعنى جار، وأقسط بمعنى عدل، وترب بمعنى افتقر، وأترب بمعنى استغنى. ونحو ذلك.
﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرً افَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾. أي فمن زاد على القدر المذكور في الفدية، أو زاد على من يلزمه إطعامه، بأن أطعم مسكينين فصاعدًا، أو جمع بين الإطعام والصيام، فهو خير له.
الخطاب بذلك لمن أُبيح لهم الفطر، على أي وجه مما سبق، أي: وأن تصوموا خير لكم من الفطر، وإن كنتم تعلمون ما في الصوم من الفضيلة.
روى الشيخان عنه ﷺ أنه قال:"ما من عبد يصوم يومًا، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا".
وإنما يُفضل الصوم الفطر، إذا لم يتعرض به الصائم إلى الخطر، فإن كان يفضي صومه إليه، فالفطر واجب بالإجماع، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (١).
ومذهب الظاهرية: وجوب الإفطار لعذر السفر والمرض مطلقًا، وأن من صام في سفر، أو مرضٍ، لا يصح صومه هو رأي مرجوح، لأنه ثبت أنه ﷺ أفطر في بعض الحالات، تشريعًا لأُمته.