للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب بثلاثة شهدوا بالزني على المغيرة بن شعبة، وتوقف الرابع عن الشهادة عليه (١) فإِن تمت الشهادة. ولم تثبت عدالة الشهود، فلا حد على الشهود ولا على المشهود عند بعضهم، وعلى الشهود الحد عند آخرين. (٢)

وحدُّ القذف كما بينته الآية ثمانون جلدة، على نحو ما تقدم بيانه في جلد الزانية والزانى في كيفية الجلد، فإن كان القاذف عبدًا والقذف للحر، جلد العبد أَربعين، لأَنه في الحدود على النصف من الحر، وهذا هو رأْى الجمهور، وروى ابن مسعود وعمر ابن عبد العزيز وغيرهما: أَنه يجلد ثمانين جلدة، واحتج الجمهور بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ ولا يقتصر عقاب القاذفين على إِقامة الحد عليهم، بل ترد شهادتهم دائمًا في أَي أمر شهدوا عليه، ويحكم بأنهم فاسقون عند الله وعند الناس، وإِنما شدد الله العقاب على القاذفين لغيرهم بالزنى، وأَوجب عليهم أَن يأْتوا بأَربعة شهود عدول إن أَرادوا الإِفلات من عقابهم حماية لأَعراض العباد، وستْرًا على الخَطَّائين لعلهم يتوبون.

وترد شهادة القاذف عند الشافعية إِذا ثبت عليه القذف - وإِن لم يقم عليه الحد بعد وأَما عند الحنفية فلا ترد شهادته إِلاَّ بعد تمام جلده، أَو بعد البدء فيه ولو بسوط واحد - كما قال بعض آخر منهم، أو بعد إقامة أَكثره عند فريق ثالث منهم، أَمَّا قبل ذلك فتقبل شهادته.

والمعنى الإِجمالي للآية: والذين يقذفون النساء العفائف من المسلمات الحرائر، ثم لم يأْتوا بأَربعة من الرجال العدول، يشهدون تفصيلًا على واقعة الزنى وقد رأَوها بأَعينهم، فعاقبوا هؤلاء القاذفين ثلاث عقوبات، أَولاها: أن تجلدوهم ثمانين جلدة، وثانيتها: أَن تَردُّوا شهادتهم ما دامو أَحياء، وثالثتها: أَن تصفوهم بالفسق والخروج عن طاعة الله، وذلك حماية لأَعراض المسلمات والمسلمين من أَلسنة الكاذبين، وستْرًا للخاطئين منهم لعلهم يتوبون ويرجون إِلى ربهم فيما بينهم وبينه، ومثل ذلك في العقوبة من يقذف مسلمًا حرًّا عفيفًا


(١) انظر المسألة التاسعة عشرة من القرطبى.
(٢) قال بنفي الحد عنهم: الحسن البصرى والشعبى وأحمد، وقال مالك بوجوب الحد على الشهود والقاذف في هذه الحالة.
انظر المسألة الخامسة عشرة من القرطبي