للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لعنة الله -، فهو الذي اختلقه ونشره، حتى دخل في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقى الأَمر كذلك قريبا من شهر حتى نزل القرآن مبرئا لها على أَكمل وجه، وروته الأحاديث الصحيحة مبرئة ساحتها، ونشأت هذه الفرية النكراءُ عن أمر برئٍ حدث في غزوة بنى المصطلق (١)، فاستغله المنافقون أَعداء الإسلام أَسوأَ استغلال.

وخلاصة القصة مستنبطة من صحاح الأحاديث أن النبي كان كلما خرج في غزوة أقرع بين نسائه، وحينما خرج في غزوة بنى المصطلق سنة ستٍّ أَقرع بينهن فخرج سهم عائشة فخرجت معه، وكان ذلك بعد ما فُرِض الحجاب، ولهذا كانت تُحْملُ في هودج وتنزل فيه، ولما انتهت الغزوة وعاد الرسول، نزلوا قريبًا من المدينة، وأَثناءَ الليل، أَمر الرسول بالرحيل فنزلت لتقضى حاجتها بعيدًا عن مكان نزول الجيش، ثم عادت إِلى رَحْلِها وفوجئت بأَن عقدها قد انقطع - وكان من جَزْع ظَفَار (٢) فعادت لتبحث عنه فتأخرت بعض الوقت، وجاءَ الذين يحملون هودجها فرفعوه على بعيرها ظانين أَنها فيه، لأَن النساء كُنَّ خفاف الجسم لقلة الغذاءِ في صدر الإسلام، كما أَنها كانت حديثة السن، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، ولما عادت بعقدها وجدت الجيش قد رحل فبقيت حيث كانت تنزل ونامت، لعلهم يتفقدونها فلا يجدونها فيرجعون إِليها لترحيلها، وكان صفوان بن المعطل السلمى وراء الجيش، ليجمع ما نسيه المجاهدون، فرأَى سواد إِنسان نائم فلما رآها عرفها لأَنه كان يراها قبل الحجاب، فاسترجع (٣) فغطت وجههما عنه، وقالت: والله ما سمعت منه كلمة غير استرجاعه، فأَناخ راحلته، وداس على يدى الناقة حتى رَكِبَتْهَا، وانطلق يقود الراحلة حتى أَدرك الجيش، فكان ذلك مثارًا لإفْك عنهما افتراه وتولى إِذاعته عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين.


(١) ويقال لها أيضا غزوة المريسيع: قاله القرطبى.
(٢) ظفار كقطام: بلد باليمن قرب صنعاء، ينسب إليه الجزع بفتح الجيم وكسرها، وهو خرز فيه سواد وبياض تشبه الأعين.
(٣) أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.