للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد أَدرك المرض السيدة عائشة، فلزمت الفراش شهرا، وهي لا تدرى بما يتردد بين الناس من أَصداء ما افتراه عبد الله بن أبي بن سلول، وكان الرسول يسأَل عن حالها سؤالا مجملا بقوله: (كيف تيكم؟) وينصرف دون أَن ترى منه اللطف الذي كانت تعتاده في مرضها، وحين خرجت من مرضها إِلى طور النقاهة منه. عادتها أُم مسطح بنت خالة أَبي بكر، ثم قالت: تَعِسَ مِسْطح، فقالت لها السيدة عائشة: بئس ما قُلتِ، أَتسبين رجلا شهد بدرًا؟ قالت: أَو لم تسمعى ما قال: فقالت عائشة: وما قال؟ فأَخبرتها بما أَذاعه أهل الإِفك عنها، فازدادت مرضا، فلما دخل عليها رسول الله استأْذنته في أَن تذهب إلى بيت أَبيها - وكانت تريد أَن تعرف القصة من والديها - فأَذن لها الرسول، فلما ذهبت إليه سألت أَمها عما حدثتها به أُم مسطح، فقالت: يا بنَيَّةُ هوّنى عليك، فوالله لَقلَّما كانت امرأَة قطُّ وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلاَّ أَكثرن عليها، قالت عائشة: سبحان الله؛ أَوَقَدْ تحدث الناس بهذا، فبكت ليلتها وفارقها النوم حتى أَصبحت وهي لا يَرْقأَ لها دمْعٌ، وقد استدعى رسول الله أسامة بن زيد وعليا ليستشيرهما، وبريرة جاريتها ليسمع شهادتها بشأنها، وخرج من حديثهم معه بما أَراح نفسه وطمأَنه على أَهله، فقام رسول الله في المسجد على المنبر وقال: يا معشر المسلمين من يَعْذِرنى (١) من رجل قد بلغنى أَذاه في أَهل بيتى؟ فوالله ما علمت على أَهلى إِلا خيرًا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إِلا خيرًا، وما كان يدخل على أَهلى إِلا معى فقام سعد بن معاذ الأَنصارى سيد الأَوس فقال: أَنا أَعذك منه يا رسول الله، إِن كان من الأَوس ضربنا عنقه، وإِن كان من الخزرج أَمَرْتنا ففعلنا أَمرك، فثار نقاش بين الخزرج والأَوس، بسبب تدخل سعد بن معاذ في أَمرهم، وحسمه رسول الله وكانت السيدة عائشة قد عادت إلى بيتها بأَمر أَبيها، فظلت يومها هذا تبكى وكان معها أَبواها، وكانا يظنان أَن البكاءَ سيغلق كبدها - كما روت عنهما - ثم دخل عليهم رسول الله وجلس معهم، ولم يسبق له أَن جلس عندها منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأْنها بشيءٍ، فسأَلها عما يذيعه المفترون عليها، ثم أَجابت


(١) أي.: من يقوم بعذرى إذا أردت مكافأته على سوء فريته.