للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعد أَن بَحَثَتْ عن آية من القرآن تجيبه بها، وكانت يومئذ لا تحفظ منه كثيرًا - أَجابت بقولها: والله ما أَجد لى ولكم مثلا إِلا كما قال أَبو يوسف: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾، ثم اضطجعت على فراشها، وهي تعلم أَنها بريئة وأَن الله سيظهر براءَتها ولكنها - كما قالت - ما كانت تظن أَن يُنْزِل في شأْنها وحيًا يتلى وأَن يصل أَمر تبرئتها عند الله إلى مثل ذلك، وكل ما كانت تأْمله أَن يُرِىَ اللهُ رسوله في منامه رؤيا يبرئها الله فيها، وبينما كانوا جميعا في مجلسهم هذا إِذ أَوحى الله إلى نبيه، فأَخذه ما كان يأْخذه من الشدة عند نزول الوحى حتى كان ينزل العرق منه مثل الجُمان - أَي - اللؤلؤ - في اليوم الشاتى من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سرِّى عن رسول الله وهو يضحك، قال لعائشة: أَبشرى يا عائشة، أَما اللهُ فقد برأَك، فقالت لى أَمى: قومى إِليه، فقلت: والله لا أَقوم إِليه ولا أَحمد إِلا الله ﷿ هو الذي أَنزل براءَتي، وأَنزل سبحانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ ..... ﴾ عشر آيات في براءَتها.

وهذا الافتراءُ الذي حدث في حق عائشة - رضوان الله عليها - حدث مثله للسيدة مريم، وكان من أَقرب الناس إِليها وهم أَهلها، وكما برأَ الله مريم على لسان عيسى، برأَ السيدة عائشة بوحى يقرؤه الناس نزل به الروح الأَمين على خاتم المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

والعُصبة: الجماعة من الناس من العشرة إلى الأَربعين، وقد تطلق على ما دون ذلك كما تقدم في المفردات، وقد ذكرت السيدة عائشة منهم: عبد الله بن أَبي بن سلول، وحمنة بنت جحش، ومسطح بن إِثاثة، وحسان بن ثابت، وكان عبد الله بن أُبيٍّ رأْس الحية ومثير الفتنة ومخترعها - عليه لعنة الله - وقد اعتذر حسان عما نسب إِليه في شأْنها بقصيدة جاءَ فيها:

حَصَانٌ رَزَان ما تُزَنُّ بريبة … وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل (١)

حليلة خبر الناس دينًا ومنصبًا … نبيَّ الهدى ذى المكرمات الفواضل

عقيلةُ حيٍّ من لؤى بن غالب … كرامِ المساعى مَجْدُهم غيرُ زائل

مهذبة قد طَيَّب الله خَيْمَها … وطهرها من كل سوءٍ وباطل


(١) الحصان: العفيفة، والرزان: الوقورة، ومعنى ما تزن بريبة: أنها لا يصح أن تظن بها ريبة أو توصف بها، ومعنى الشطر الثاني: أنها تصبح نحيلة الجسم من غيبة من يأكلون لحوم المحصنات الغاف