أَي: ولولا تفضل الله عليكم أَيها الخائضون، ورحمته بكم، لأَصابكم عذاب عظيم فيما خضتم فيه من الإِفك في شأْن عائشة، أَما رحمته في الدنيا فقد تمثلت في إمهالكم حتى تثوبوا إِلى رشدكم، وتتوبوا إِلى ربكم من ذنبكم، وتعرفوا حرمة بيت نبيكم، وأما رحمته في الآخرة فبالعفو عمن تاب منكم، وغفران ما اقترفته أَلسنتهم، وكل ذلك من فضل الله عليكم.
ولا ينال هذا الفضل والرحمة من الخائضين سوى التائبين من المؤمنين كمسطح بن إِثاثة وحمنة بنت جحش، وحسان بن ثابت، أَما من بَقِىَ مغمورًا في نفاقه كعبد الله بن أبي ابن سلول وأَضرابه، فلا نصيب لهم منهما، ولا قيمة لتوبتهم الظاهرية إن تابوا.
أَي: ولولا فضل الله ورحمته لمسكم عذاب عظيم حين تتلقون هذا الإفك من ناقليه، بعد طلبم بأَلسنتكم سماعه وتروون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وإنما جاءَكم عن طريق السماع عن الآفكين، وتحسبون ترويج الكذب على عرض ابنة الصديق وزوج الرسول أَمرًا خفيفًا سهل العاقبة، والحال أَنه عند الله أمر عظيم في إثمه وسوء عاقبته، فالقدح في الأَعراض شين عظيم، وإثم كبير، فكيف به في عرض أم المؤمنين، وزوج خاتم المرسلين.
جاءَ في الصحيحين أَنه ﷺ قال:"إِن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدرى ما تبلغ، يَهْوِى بها في النار أَبعد ما بين السماء والأرض" وفي رواية: "لَا يُلْقى لها بالًا".
ويصح أَن يكون المعنى: إِذ يتلقاه بعضكم بأَلسنة بعض آخر منكم، وتروون بأَفواهكم عنهم ما ليس لكم بصحته علم، وكلا المعنيين جيد، وفسره مجاهد وابن جرير - كما نقله ابن كثير - بأَن يرويه بعضهم عن بعض، يقول هذا: سمعت كذا من فلان، ويقول آخر: قال فلان كذا، ويقول ثالث: ذكر بعضهم كذا - انتهى بتصرف، والمعانى متقاربة وإن كان ما قلناه أَولًا وثانيًا أَقرب إِلى النص الكريم مما نقله ابن كثير عن ابن جبير ومجاهد.