للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الطبرانى وغيره عن عدى بن ثابت: أَن امرأَة من الأَنصار قالت: يا رسول الله، إني أَكون في بيتى على حال لا أُحب أن يرانى عليها أَحد، لا والد ولا ولد، فيأْتى الأب فيدخل علىّ وإِنه لا يزال يدخل علىّ رجل من أَهلى وأَنا على تلك الحال، فكيف أَصنع؟ فنزلت الآية، فقال أَبو بكر: يا رسول الله، أَفرأيت الخاناتِ والمساكنَ في طرق الشام ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ … ﴾ (١) الآية.

وقال مقاتل بن حَيَّان: كان الرجل في الجاهلية إذا لقى صاحبه لا يسلم عليه، ويقول: حيّيت صباحا، وحييت مساءً، وكان ذلك تحية القوم بينهم، وكان أَحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأْذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت، فيشق ذلك على الرجل، ولعله يكون مع أهله، فغير الله ذلك كله في سَتْرٍ وعفة، وجعله نقيا نَزهًا من الدنس والقذر والدرن، فأنزل الله هذه الآية (٢): اهـ.

فأَنت ترى أَنه تعالى نهىَ فيها عباده عن دخول بيوت غيرهم حتى يستأْنسوا ويسلموا على أَهلها، والمراد من الاستئناس هنا: الاستئذان، وبه قرأَ عبد الله بن عباس وسعيد ابن جبير، وقد فسره به الجمهور، وأَصل الاستئناس: طلب الأنس الذي هوضد الوحشة ولما كان المستأْذن يريد باستئذانه أَن يأْنس به أَهل البيت ولا يستوحشوا منه فيأْذنوا له، عبر عن استئذانه بالاستئناس على سبيل المجاز.

وفسره بعضهم بالاستعلام، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ أَي: فإن علمتم، والواقع أَن التفسيرين متقاربان، فإن الاستئذان مع ما فيه من طلب الإِذن فيه طلب العلم بوجود أَهل البيت وبرضاهم عن دخوله.

وقد تضمنت الآية أَن يقرن المستأْذن السلام باستئذانه، وظاهر النص تقديم الاستئذان على السلام، ولكن الأَولى العكس حسبما ورد عن النبي والواولمطلق الجمع، فلا تقتضى الترتيب، وصورتهما: أَن يقول المستأذن: السلام عليكم،


(١) انظره في تفسير القرطبي لهذه الآية.
(٢) انظر ابن كثير ج ٦ ص ٤٢ ط الشعب.