للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجود من يلقاه أويجالسه من الرجال أَونحوذلك، والرجوع عن الدخول في هذه الأحوال وأمثالها واجب، سواءٌ أكان في البيت أَهله أَم لا، كما أدعى إلى الطهر والنزاهة ولهذا قال سبحانه: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾: أَي أطهر لكم لما فيه من السلامة من القيل والقال والتصرف في ملك غيركم إن دخلتموه دون رضاه، والدناءة والخسة إن بقيتم بالباب تَلِجُّون وتلحون، وإنما يتوقف الدخول على الإِذن ما لم يكن هناك داع شرعى كِإزالة منكر توقفت إزالته على الدخول بغير إذن، وإطفاء حريق فيجوز رعاية لشريعة الله (١)، ثم ختم الله الآية بقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾: لِوعْدِ من امتثل أمره ووعيد من عصاه، أي: أَنه تعالى يعلم ما تفعلون وما تتركون مما كلفكم به، ويعلم ما انطوت عليه قلوبكم من الأَغراض الشريفة أَو الخسيسة حين استئذانكم، فيحاسبكم ويجزيكم على أَعمالكم ونِياتِكم، إِن خيرًا فخيرٌ وإن شرًا فشر.

٢٩ - ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾:

يبيح الله في هذه الآية دخول بيوتٍ غير مسكونة بغير استئذان، إذا كانت لها صفة العموم، وتعتبر هذه الآية مخصصة لعموم ما قبلها.

والمراد من هذه البيوت: ما لم يجعل لسكنى طائفة خاصة، بل جعل ليتمتع بها من كان بحاجة إليه كالحانات والحمامات العامة، ومنازل المسافرين العامة، وحوانيت التجار ونحوها، والمراد بالمتاع: المنفعة. فَعَنْ محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد: هي الفنادق التي في طرق السابلة، قال مجاهد: لا يسكنها أحد، بل هي موقوفة ليأوى إليها كل ابن سبيل وفيها متاع لهم، أي: استمتاع بمنفعتها، وقال ابن زيد والشعبى: هي حوانيت القيساريات، قال الشعبى: لأنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس: هَلموا، وقال جابر بن زيد: ليس يعنى بالمتاع الجهاز، ولكن ما سواه من الحاجة، أَما منزل ينزله قوم من ليل أونهار، أوخَرِبَة يدخلها لقضاء الحاجة، فهذا متاع وكل منافع الدنيا ضاع، واستحسنه أبوجعفر


(١) انظره في الآلوسى في شرحه لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُ