للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابن نُسَيٍّ: كتب عمر إلى أَبي عبيدة بن الجراح: أَنه بلغنى أَن نساءَ أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساءِ المؤمنين، فامنع من ذلك وحُلْ دونه فإنه لا يحل أَن ترى الذمية عِرْيَةَ (١) المسلمة، فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال: أَيُّمَا امرأَة تدخل الحمام من غير عذر، لا تريد إِلا أن تبيض وجهها، فَسَودَ الله وجهها يوم تبيض الوجوه.

ونقل الآلوسى عن ابن حجر الشافعى: أن الأصح تحريم نظر الذمية إِلى غير ما يبدومن المسلمة في المهنة - أَي. الخدمة - غير سيدتها ومحرمها، ودخول الذميات على أمهات المؤمنين الوارد في الأحاديث الصحيحة دليل لحل نظرها منها ما يبدوعند المهنة.

وأَما قوله سبحانه: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ فالمراد منه: الإماءُ ولوكافرات، وأما العبيد فهم كالأَجانب لا يرون من زينة سيدتهن ألا ما ظهر منها، وهذا مذهب أَبي حنيفة، وأَحد قولين في مذهب الشافعى، قال ابن عباس: لا بأْس أَن ينظر المملوك إلى شعر مولاته، وقال سعيد ابن المسيب: لا تَغُرنكُمْ هذه الآية: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ إِنما عنى بها الإِماءُ ولم يعن بها العبيد، وعلل ذلك بأنهم فحول ليسوا أزواجا ولا محارم، والشهوة متحققة فيهم - انظر الآلوسى.

وأَما قوله تعالى: " ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ (٢) مِنَ الرِّجَالِ" فالمراد بهم: الذين يتبعون البيوت ليصيبوا من طعام أهلها، وليست لهم حاجة إِلى النساءِ، لكونهم شيوخا طاعنين في السن، وقد فنيت شهواتهم، والممسوحون الذين قطعت ذكورهم وخصاهم، فهؤلاء ينظرون من المرأَة ما يبدومنها عند المهنة، أما المجبوب: وهو من قطع ذكره، والخصى وهو من قطعت خصيتاه، ففيهما خلاف، فبعضهم أباح له أَن ينظر من المرأَة ما يبدوعند المهنة كابن الزوج ومن في حكمه، ومنهم من جعله في حكم الأجانب، فلا يرى منها غير الوجه والكفين، وظاهر الثياب - وهذا هوالراجح - انظر الآلوسى.


(١) أي: ما يتعرى منها وينكشف.
(٢) الإربة، والإرب، والمأربة، والأرب: الحاجة.