للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طلبت الآية ممن لا يجدون أسباب النكاح مع توقانهم إِليه، أَن يجتهدوا في العفة والبعد عن الزنى، وذلك بالاستعانة بالصيام كما قال : "ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (١).

أَو بالاستعانة بالصبر حتى يغنيهم الله من فضله فيتزوجوا، وذلك خير لهم من الإقدام على الزواج مع الفقر، انتظارا لفضل الله حسب وعد الله في الآية السابقة، فإِنه وعد مشروط بمشيئة الله تعالى، فإن شاءَ حققه وإِن لم يشأْ لم يحققه، حسبما تقتضيه حكمته تعالى، وقد أَمر الله بالسعي في قوله تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِه﴾ (٢).

﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾:

هذا هو الجزءُ الثاني من الآية، وهو تأْديب وإِرشاد منه تعالى للسادة في حق أَرقائهم أن يكاتبوهم ذكورا كانوا أَو إِناثا على العتق في مقابل جُعْل يؤُدونه لسادتهم مُنجَّمًا، أَومرة واحدة في آخر مدة الكتابة أَو نحو ذلك.

وصورة المكاتبة أَن يقول السيد لمملوكه: كاتبتك على أَن تؤَدى مائة دينار مثلا، فإِذا أَديتها عتقت، فيقبل العبد، وهذا القول يسمى مكاتبة وإِن لم يكتب في سجل لأنها بمعنى المعاقدة والعهد، كما في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ أَي: عقد على نفسه عهدا بذلك، وقيل: سمى بذلك لأَنه مما يكتب.

والمكاتبة إسلامية الأصل، فلم تكن في الجاهلية كما نقله الخفاجى عن الدميرى وكذا قال ابن حجر، وأَول من كاتبه المسلمون؛ عَبْدٌ لعُمر يسمى أَبا أُمية (٣)، وقيل: نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له: صبَيح، طلب من مولاه أن يكاتبه فأبى،


(١) من حديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود.
(٢) سورة الملك من الآية: ١٥
(٣) انظر الآلوسى.