للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد بالبيوت: المساجد مطلقًا، وقيل: هي المساجد الأربعة التي لم يَبْنِها إلا نبي (١)، وهي: الكعبة، ومسجد المدينة، ومسجد قباء، وبيت أَريحا (٢)، حكاه القرطبى في آخر المسألة الأُولى عن ابن بريدة، وعقبه بقوله: الأظهر الأول؛ لما رواه أنس بن مالك عن رسول الله قال: "من أَحب الله - عزوجل - فليحبنى، ومن أحبنى فليحب أصحابى، من أحب أَصحابى فليحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد؛ فإنها أَفْنِيَةُ الله، أَبنيته أذن الله في رفعها، وبارك الله فيها، ميمونةٌ ميمونٌ أَهلها، محفوظة محفوظ أهلها، هم في صلاتهم، والله ﷿ في حوائجهم، هم في مساجدهم، والله من ورائهم".

والمراد من إذن الله برفعها: أَمره بتعظيمها، وذلك بتطهيرها من الأقذار والنجاسات، ومنع الجنب والحائض والنفساء من دخولها، ومنع البيع والشراء ورفع الصوت فيها، والامتناع عن أَكل ذى ريح كريه قبيل في دخولها، وفي المسألة كلام طويل يطلب من الموسوعات من كتب الفقه والتفسير.

وحمل بعض المفسرين رفعها على رفع بنيانها، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ وبه قال مجاهد وعكرمة، وفي بناء المسجد يقول النبي : "من بنى مسجدا يبتغى به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" أخرجه البخاري في صحيحه بسنده عن عثمان بن عفان.

وهل يجوز تَزيين المساجد ونقشها؟ قال القرطبى في المسألة الثالثة: اختلف، في ذلك، فكرهه قوم، وأَباحه آخرون، واستند من كرهه إِلى قوله : "لا تقوم الساعة حتى تتباهى الناس في المساجد" أَخرجه أَبو داود بسنده عن أنس. وفي البخاري: وقال أنس: "يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا".

واستند من قال بإباحتها إِلى أن فيها تعظيم المساجد، والله أَمر بتعظيمها بقوله: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ وروى عن عثمان بن عفان (أَنه بنى مسجد رسول الله بالساج وحسنه).


(١) وهذا هو رأي ابن زيد، أخرجه ابن أبي حاتم عنه - انظره في الآلوسى ولعله تصحيف لابن بريدة ليتفق مع ما ذكره القرطبى عنه كما سيجئ.
(٢) المراد به: بيت المقدس، بناه داود وسليمان