والمراد من تقلب القلوب والأبصار في يوم القيامة: اضطرابها من الهول، أَو تقلب أحوالها فتفقه ما لم تكن تفقه، فتؤمن بعد الكفر حيث لا ينفعها الإيمان، وفي هذا المعنى يقول المولى سبحانه: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.
﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾: متعلق بفعل يتضمن طاعاتهم السابقة، أي: يفعلون كل ما تقدم من تسبيحهم لله في المساجد، وصلاتهم فيها كلما سمعوا النداءِ إِليها، وإيتائهم الزكاة لمستحقيها، وخوفهم من يوم الحساب، يفعلون كل ذلك. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا .... إلخ.
المعنى الإجمالى للآيات الثلاث: ٣٦، ٣٧، ٣٨ ما يلى:
يسبح لله تعالى في مساجد أمر الله أن تعظم بالصيانة والنظافة، ويذكر فيها اسمه - يسبح له فيها - رجال استنارت قلوبهم بمشكاة الهدى، فأصبحوا لا تلهيهم ولا تشغلهم دنياهم عن ذكر الله، وإقام الصلاة في أوقاتها جماعة كلما سمعوا النداء إليها، كما لا تشغلهم عن إِعطاء الزكاة لمستحقيها في مواقيتها، يخشون يومًا رهيبًا تضطرب فيه القلوب والأبصار كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ وذلك من هول ما رأوا من الشدائد والتغيرات الكونية حيث ﴿تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.
يسبح لله هؤلاء الرجال في المساجد خائفين من يوم الوعيد، لكي يجزيهم الله في الجنة أحسن جزاء لما عملوه في دنياهم، حسبما وعدهم الله تعالى كل لسان رسوله، ويزيدهم من الثواب فوق ما وعدهم مما لم يخطر لهم ببال، والله يثيب من يشاء من عباده المتقين رزقًا واسعًا، دون أن يحاسبه أحد على ما أعطى؛ فهو الرزاق ذو القوة المتين.