للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى الإجمالى للآية: والذين كفروا أعمالهم التي يحسبونها صالحة مرضية لله تعالى كصلة الأرحام، والعطف على الأيتام، وسقاية الحاج، وعمارة البيت الحرام، وقِرَى الأضياف، وغير ذلك من المبَرات - أعمالهم هذه - شبيهة في ضياعها في الآخرة بسراب لامع تحت ضوء الشمس في أرض فسيحة جرداء، يحسبه الظمآن حين يراه من بعيد يترقرق ويلمع - يحسبه - ماءً يروى ظمآه، ويطفئُ لهيب عطشه، حتى إِذا جاءه حيث كان يبدو له، لم يجده شيئًا مطلقًا؛ لزوال الصورة التي خدعه بها السراب، فكذلك جنس الكافر، يحسب أنه قد عمل في دنياه عملا نافعًا، واعتقد اعتقادًا سديدًا، فإذا بعث يوم القيامة، ورأى أهوال القيامة، اشتدت حاجته إلى عمله لينفعه وينجيه، فلم يجد له أثرا، وخاب ظنه فيه، بل وجد حساب الله وافيًا في مواجهته، ونقاشه إياه مستوعيًا لعقائده الزائفة، وأعماله الفاسدة، وأنه تعالى لم يتقبل منه ما قدمه من أعمال البر؛ لأنها قامت على أساس الكفر، إلى جانب ما داخلها من الرياء والفخر والعُجب، فكان أمر الله معه في تلك المبَرات كما قال - سبحانه -: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ (١).

وقد ختم الله الآية بقوله: ﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾: للإيذان بأَنه لا يشغله حساب عن حساب، فلهذا كان سريع الحساب لجميع عباده.

ويلاحظ أن تشبيه عمل الكافر بالسراب انتهى عند قوله تعالى: ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ أما قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ فهو لبيان بقية أحواله بطريق التكملة، حتى لا يتصور أن نهاية أمره هو الخيبة والقنوط فقط - كما هو شأن الظمآن بعد أَن عرف حال السراب - بل يعتريهم من سوء الحال والمآل، ما يفوق خيبة الظمآن حين يئس من الماء (٢).

ومن المفسرين من جعل هذا السراب في الآخرة، قال جار الله الزمخشرى: شبه الله سبحانه ما يعمله غير المؤمن بسراب سوف يراه بالساهرة - يوم القيامة - وقد غلبه العطش، فيحسبه ماءً، فيأتيه فلا يجده، ويجد زبانية الله عنده، يأخذونه فيسقونه الحميم


(١) سورة الفرقان، الآية: ٢٣
(٢) انظر كتاب (إرشاد العقل السليم).