للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والغسَّاق. قال الآلوسى - تعليقًا على هذا الرأْى -: وكأَنه مأْخوذ مما أَخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أَبي حاتم، من طريق السدى في غرائبه عن الصحابة، أَن رسول الله قال: "إن الكفار يبعثون يوم القيامة وِرْدا (١) عطاشا، فيقولون: أين الماءُ؟ فيمثل لهم السراب فيحسبونه ماءً، فينطلقون إِليه، فيجدون الله تعالى عنده فيوفيهم حسابهم، والله سريع الحساب" واستحسن ذلك الطيبى … إلى آخر ما كتبه الآلوسى في هذا المقام.

وقد نقل ابن كثير في هذا المعنى عن الصحيحين: "أَنه يقال يوم القيامة لليهود: ما كنتم تعملون في الدنيا؟ فيقولون: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم؛ ما اتخذ الله من ولد، ماذا تبغون؟ فيقولون: أي ربنا، عطشنا فاسقنا، فيقال: ألَا تَرَونَ؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فينطلقون فيتهافتون فيها" (٢).

٤٠ - ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾:

﴿كَظُلُمَاتٍ﴾ معظوفة بأو على ﴿كَسَرَابٍ﴾ وحرف (أو) هنا: إما للتخيير، فإن أعمالهم لكونها لاغية لا ثواب عليها، تشبه السراب، ولكونها خالية عن نور الحق، وضوء الإيمان، تشبه الظلمات المتراكمة من عمق البحر، والأمواج المتتابعة فوقه، وظلمة السحاب فأنت مخير في تشبيهها بأيهما، قال الزجاج: إن شئت مَثِّلْ بالسراب، وإن شئت مَثِّلْ بالظلمات (٣).

ويصح أَن تكون (أو) للتنويع، فإن أَعمالهم إن كانت حسنة فهي كالسراب في عدم جدواها، وإن كانت قبيحة في كالظلمات، وفيها غير ما ذكرنا من الوجوه (٤)، وحَسْب القارئِ ما تقدم.


(١) الورد - بكسر الواو وسكون الراء -: القوم الذين يردون الماء كالواردة، ومنه: الموردة، وهي: مأتاة الماء: (قاموس).
(٢) البخاري: تفسير سورة النساء، ومسلم: كتاب الإيمان.
(٣) انظر القرطبى.
(٤) انظر البيضاوى.