والذين كفروا أَعمالهم كسراب بقيعة، أو كظلمات في بحر عميق بعيد القاع، يغطى هذا البحر موجٌ من فوقه موج، وهكذا تتتابع أمواجه، ويتراكم بعضها فوق بعض، من فوق هذا الموج المتتابع سحاب كثيف يحجب أَضواء النجوم، فهي ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، إذا أخرج من ابتلى بهذه الظلمات يده، وجعلها قريبة من عينيه لينظر إِليها، لم يقرب من رؤيتها، فضلا عن أَن يراها، مع أنها أقرب شيء إليه.
وكذلك كل كافر يعيش في أعماق ظلمات كثيفة داكنة من عقيدته، وسيئات أعماله، لا يرى في أثنائها بصيصا (١) من نور الهدى، يهديه إلى سواء السبيل، بسبب تقليده، وخضوعه لسيطرة أئمة الكفر، وجنوحه عمن يدعوه إلى الهدى، قائلا له: إئتنا لتستنير بنورنا.
ويختم الله الآية بقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾: أي ومن لم يُقَدِّر الله له نورا قلبيًا يهديه إلى الحق بسبب إعراضه عنه، فليس له نور من سواه، فيبقى في ظلام دامس من الضلال، كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾.
أَما من يقبل الهدى فإن الله تعالى يهديه بنور على نور، حتى يثبت الحق في بصيرته، ويستعصى على من يضله، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ نسأل الله الرءُوف الرحيم أَن يملأ قلوبنا نورا، ويجعل النور عن أيماننا وشمائلنا، وأن يعظم لنا النور بفضله ورحمته.