السماءُ في اللغة: ما عَلَا وارتفع، ومنه يقال للسحاب: سماءٌ، وللفضاءِ والسقف: سماء، وللرفعة المعنوية: سماء، ومنه قول الشاعر في الفخر:
إذا بلغ السماءُ لنا وليدٌ … تَخِرُّ له أَعادينا سجودا
ولفظ السماء يُذَكّر ويؤنث، والمراد به في الآية: إِما السحاب، وإِمَّا الفضاءُ فكلاهما يشتمل على جبال الركام التي ينزل منها البَرَد، كما هو صريح النص الشريف.
وإِطلاق لفظ الجبال على الركام من باب التشبيه البليغ؛ فإن السحب الركامية تشبه الجبال في ضخامتها وارتفاعها.
قال الإِمام الرازى في تفسير الآية: أَراد بقوله: ﴿مِنْ جِبَالٍ﴾ السحاب العظام؛ لأَنها إذا عظمت أَشبهت الجبال، كما يقال: فلان يملك جبالا من مال: انتهى كلام الفخر الرازى.
ويقول علماءُ الطبيعة الجوية في عصرنا: إِن السحب الركامية ترتفع أَميالا على شكل هرمي، قاعدتها إلى أَسفل وقمتها إِلى أَعلى، وهم بذلك يؤكدون ما نقلناه عن الإمام الرازى.
وفي الآية إِعجاز علمى فوق إِعجازها البلاغى؛ فقد تحدثت عن تكاثف السحب، ووصولها في هذا التكاثف إلى درجة عالية تشبه في ضخامتها وشكلها الجبال، كما تحدثت عن إنزال البَرَد من تلك السحب الركامية المعبَّر عنها بالجبال، وعن البروق الخاطفة المتلأْلئة
(١) لفظ (من) وقوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ ابتدائية، وقوله: (من جبال) بدل اشتمال من قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ فإن السماء هنا بمعنى السحاب أو الجو، وكلاهما يشتمل على ركام السحب الشبيهة بالجبال، ولفظ: (من) في قوله: (من برد) للتبعيض أو البيان، في موضع المفعول به لقوله: (ينزل).