للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القوية الضوءِ إلى درجة تكاد تخطف الأبصار، وكل ذلك وغيره تنبئ عنه هذه الآية العظيمة، ويجرى على لسان أمِّيٍّ لا علم له ولا لغيره من أهل الأرض جميعًا في زمنه بمثل تلك العلوم الكونية، حيث كانت الجهالة والبدائية تنتشر بين الناس في المشارق والمغارب، الوثنيين منهم وأهل الكتاب، ولا شك أن هذا لا يمكن أن ينطق به إلا رسول آتاه الله العلم بوحى أيده به، وآذن بصدقه في نبوته ورسالته، فتبارك الله رب العالمين (١).

والبَرَدُ الذي ينزل من تلك السحب الركامية: حبات في بياض الثلج وبرودته، ويقول الله في شأن هذا البَرَد: ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾: أي فيصيب الله بهذا البَرَد من يشاءُ من عباده فيتضرر به في نفسه، أو ماله، أَو زراعته، أو ماشيته، ويصرفه ويمنعه عمن يشاء، فيسلم من غائلته، حسبما جرت به حكمة الله وقدره.

ويعقب الله ذلك بقوله: ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾: أَي يقرب ضوءُ برق السحاب المتراكم المعبَّر عنه بالسماء، ثم بالجبال، يقوب ضوءُه أن يخطف الأبصار، من فرط الإضاءة والسرعة، وفي ذلك دليل عظيم على قدرة الله تعالى، حيث ولد النور من الظلمة الركامية، وخلق الشيء من ضده، بالإضافة إلى ما تضمنته الآية من عجائب إبداعه وقدرته، ويعقِّب الله ذلك بقوله:


(١) وقد علق الخبراء على هذه الآية في التفسير المنتخب الذي أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فقالوا ما يلى: تسبق هذه الآية الكريمة ركب العلم؛ فإنها تتناول مراحل تكوين السحب الركامية وخصائصها وما عرف عنها في العهد الأخير، من أن السحب الممطرة تبدأ على هيئة وحدات، يتألف عدد منها في مجموعات هي السحب الركامية، أي: السحب التي تنمو في الاتجاه الرأسى، وترتفع قممها إلى علو ١٥ أو ٢٠ كيلو مترا فتبدو كالجبال الشامخة.
والمعروف علميا أن السحابة الركامية الممطرة تمر بمراحل ثلاث، هي:
١ - مرحلة الالتحام والنمو.
٢ - ثم مرحلة الهطول.
٣ - وأخيرا مرحلة الانتهاء.
كما أن هذه السحب هي وحدها التي تجود بالبرد، وتشحن بالكهرباء، وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة (أربعين تفريغا في الدقيقة الواحدة) فيذهب ببصر الراصد من شدة الضياء، وهذا هو عين ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون عواصف الرعد - في المناطق الحارة - وينجم عن فقد البصر هذا أضرار بالغة تشكل خطرا حقيقيا على أعمال الطيران وسط العواصف الرعدية. وتعليقا على هذا نقول: إن ذهاب البصر في هذه الحالة وقتي، ولهذا قال - سبحانه -: ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾.